رفيق خوري

من "النأي بالنفس" إلى "الدفاع عن النفس"

17 تموز 2019

12 : 13

المنطقة تغلي بالصراعات وتموج بالتحولات. خطوط الصراعات متشابكة ومزدحمة بقوى محلية وأقليمية ودولية. ولا أحد يعرف متى وكيف وإلى ماذا تنتهي. وملامح التحولات تتبلور بالتدرج وسط استمرار الصراعات المنتجة لها. وأكبر وهم يرافق غطرسة القوة هو القراءة في التحولات على أساس أنها تتقدم في اتجاه واحد لخدمة مشروع كبير وحيد.

ولبنان اليوم، بالإضطرار لا بالخيار وأكثر من أي وقت مضى، مرتبط عضوياً بالصراعات والتحولات. لكن لبنان الرسمي ينام على حرير "النأي بالنفس". فهو متعب وثقيل الأحمال والأزمات من دون قدرة على تطبيق الحلول حتى عندما يجدها. والكل يعرف أن الأزمات، مهما يكن بعضها شخصياً ومحلياً، لها امتدادات خارجية أو هي امتدادات لحسابات خارجية. وهو يستفيق على أصوات المتظاهرين والمعتصمين الغاضبين من أن تختار موازنة التقشف "فلس الأرملة" بدل "الضرب على جيوب" الذين زادوا ثراء بالصفقات والفساد وعلى حساب المال العام.

ويسمع في الداخل والخارج قرع طبول الحرب وتبادل التهديد بالإبادة، فلا يصغي ولا يجد سوى التجاهل والصمت وصفة للحفاظ على ما يسمى الإستقرار.

وأبسط ما ينطبق على حالنا هو قول تروتسكي: "قد لا تكون مهتماً بالحرب، لكن الحرب مهتمة بك". وأوضح ما قاله الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله أن فتح أميركا الحرب على إيران هو "فتح الحرب في المنطقة كلها، وكل شريكة أو دولة تقدم أرضها للإعتداء ستدفع الثمن". ولبنان لاعب فيها، و"مدن الزجاج" في الخليج ليست خارجها، و"اسرائيل غير محيدة من القصف الإيراني بشراسة وقوة".

والحسابات تستبعد حرباً أميركية شاملة في الداخل الإيراني. لكن طهران تلعب الورقة إعلامياً للإيحاء أن قوتها جعلت واشنطن عاجزة وخاسرة. وربما كان تركيز السيد نصرالله على اشتعال المنطقة نوعاً من بث الخوف في العدو لردعه. كيف؟ الجواب عند قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي الذي تحدث عن "إمكان هزيمة العدو بنجاحنا في تحييد قوته عبر تثبيط إرادته في استخدام القوة". والملموس، ولو لم تحدث حرب، هو تكريس "حق إيران" في إشعال المنطقة دفاعاً عن نفسها ومشروعها، مهما تكن المخاطر.

والسؤال هو: أين موقع "النأي بالنفس"؟ من يجهل أن معناه العملي هو "تحييد" لبنان المحتاج إلى قرارين: داخلي وخارجي ليسا متوافرين؟ المطلوب هو ضمان "الدفاع عن النفس" ليكتمل "النأي بالنفس". وهذا هو التحدي لئلا تأتي الصراعات والتحولات على حساب لبنان واللبنانيين.