سعيد غريّب

من الذاكرة... شهر أيار

3 أيار 2023

02 : 00

إذا كانت الطبيعة تنعم على شهر أيار بالورود والرياحين، وإذا كان الأدب يصوّره نوّاراً زاهراً بالعطر والجمال، إلّا أنّ وقائع التاريخ أسقطته في بلادنا في لجة الغموم، ومزجت وروده بالأشواك، وحوّلته إلى مفصل الاستحقاقات الداهمة. في بداية بداياتنا، القافلة الأولى لشهداء لبنان الكبير ارتفعت شنقاً على يد السلطات العثمانية في أيار 1916.

في أيار 1958، انطلقت بوادر ما عرف بالثورة، قبيل انتهاء ولاية الرئيس كميل شمعون، فانقسمت الساحة بين مناصر لتوجهات العهد وموالٍ للخط الناصري.

في أيار 1968، انبثق الحلف الثلاثي بين «الأقوياء»، كميل شمعون، بيار الجميل، وريمون اده، فواجه النهج الشهابي وانتصر في الانتخابات ممهّداً وقلب المعادلات.

في أيار 1973، اندلعت اشتباكات مثّلت الشرارة الأولى الكبرى بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية وأنذرت بالويلات وحمامات الدم الآتية إلى بلدنا.

أيار 1975 حمل دمغة ما سمّي بالجولة الثانية من الحرب، بعد جولة أولى في نيسان، وقبيل جولة ثالثة في حزيران، إيذاناً باستمرارها خمس عشرة سنة.

أيار 1976 طبع بمخرج لتخليص الاستحقاق الرئاسي من مأزق آتٍ. حينها فرضت ظروف التأزم السياسي والأمني تأمين انتخاب رئيس للجمهورية قبل موعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان فرنجيه. ووسط وابل من القذائف والرصاص أمّن النواب اللبنانيون إجراء الاستحقاق، وانتخبوا الياس سركيس رئيساً يشهد له اليوم بالحكمة ونظافة الكف.

أيار 1983 شكّل محطة مفصلية حيث حمل ولادة اتفاق 17 أيار بعد مفاوضات قاسية مع إسرائيل التي شنت حرباً شرسة اجتاحت خلالها مساحات من الأراضي اللبنانية. ورمى هذا الاتفاق بثقله على الساحة الداخلية حيث ووجه بمعارضة شديدة، ترافقت مع تفكيك بقية أوصال الدولة. سقط الاتفاق وتبيّن بعد ترسيم الحدود أخيراً أنّ وجوده كان حافظاً مساحة كبيرة من مياه الحدود البحرية.

أيار 2000 حمل فرح تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي الذي أشاع الأمل بتحريك الستاتيكو المكبّل للبنان. وفعلاً غيّر هذا التطوّر قواعد اللعبة لإعادة اللعبة السياسية إلى محرابها في الداخل.

في أيار 2005، عاد العماد ميشال عون من المنفى مع ما حملته تلك العودة من تطوّرات غير مسبوقة في تاريخ لبنان.

أيار 2008 عرف وروداً ممزّقة بالأشواك، فانتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية جاء نتيجة عملية أمنية في بيروت وغير منطقة اتبعت باتفاق الدوحة الشهير وما أرساه من عرف جديد في تأليف الحكومات وحكم لبنان.

كيف تبدو الصورة مع انطلاق شهر أيار 2023؟

لا تزال تردّدات الاتفاق السعودي- الايراني تتفاعل خارج التوقّعات. وعلى الرغم من الصدمة التي أحدثها، فإنّ مساره ما زال في بدايته وما يترتّب عليه من حسابات يبقى من باب التحليل. أمّا لبنان فيدور في حلقة مفرغة بعدما أمسى مجدداً بمنزلة الورقة في لعبة العلاقات الإقليمية والدولية على مستوى الشرق الأوسط. وفيما يبقى الانتظار سيد الموقف تزدحم التوقّعات والتكهّنات والتحليلات لترسم تمنيات لما قبل 15 أيار لا تبدو حاسمة. وفيما الجمود يبقي الوضع تحت السيطرة، من غير المسموح على الأقل في الوقت الراهن الاحتكام إلى الشارع وزعزعة الاستقرار المطلوب والمقبول نسبياً.

ويبقى السؤال: لمَ هذا الحرص الدولي حتى اليوم على استقرار لبنان أمنياً، فيما يوازيه شبه تخلٍّ عن استقراره السياسي والاقتصادي؟ وهل يمكن لبلد أن يستقرّ أمنياً فيما استقراره السياسي والمالي مهتز ومتروك للعبة القدر والكبار ولعبة مفخخة بالنازحين السوريين؟ هل يحمل لنا أيار 2023 مفاجأة ما تكون أقوى تأثيراً في تاريخ الروزنامات؟ وهل يحمل هذا الأيار مفاجأة ما؟

يبقى الاتّكال على السيدة العذراء، إنّه الشهر المريميّ، شهر سيدة حريصا عليها السلام.


MISS 3