يقولون إنّ اللبنانيين يجب أن يتنازلوا عن عنادهم ويجلسوا مع الحكم السوري لكي يتفقوا على إعادة النازحين إلى سوريا، وأنا أرى أنّ النازحين السوريين في لبنان لا تناسبهم العودة إلى سوريا ولا تناسب الحكم السوري للأسباب التي يعلمها الجميع وليس أهمها أنّ النازحين يقبضون من منظمة الأمم المتحدة ما يستطيعون العيش بواسطته بمستوى أفضل مما كانوا يعيشون به في سوريا. وإنما الأهم منها هو ما كان يطمع به الحكم السوري على مر التاريخ من ضم لبنان إلى الكيان السوري. وهو يرى الآن أنّ النزوح والانتشار في كل القرى اللبنانية هو أقوى من الاحتلال العسكري الذي قاموا به منذ عام 1975 ولغاية عام 2005. وهي فرصة لهم لكي ينفذوا هذا الاحتلال.
ومما يرسخ اعتقادي هو حالة الاستقرار التي يعيشها معظم السوريين في لبنان والتي تعود إلى أنّ المنظمة الدولية التي ترعاهم مدعومة من الدول الأوروبية واميركا ترفض عودتهم، وذلك لإبعاد كأس النزوح المرة عن دولها. وأنّ هذه الحالة منظمة وممسوكة، بينما السلطة التي ترعى أمور الشعب اللبناني هي سلطة مفككة وكل قرش يدخل إلى خزينتها هو قرش مسروق لا يصل منه للشعب شيءٌ. لذلك سوف يزداد اللبنانيون فقراً والسوريون في لبنان رخاءً لأنّهم بالإضافة إلى ما يقبضون من المنظمة الدولية يجنون أموالاً أخرى من العمالة والتجارة في السوق اللبناني.
وهذا الفرق في مستوى المعيشة بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الجرائم بسببهم، بدأ يولّد كرهاً وحقداً في قلوب اللبنانيين يدفعهم إلى المطالبة بإخراج السوريين من لبنان بأي وسيلة، رغم اصرار المنظمات الدولية على بقائهم خوفاً من انتقالهم وانتقال مشاكلهم إلى دول أوروبا.
إنّ هذا الجو المشحون مرشح للانفجار في أي لحظة وينذر بالشؤم وانتشار العنف وسفك الدماء. وسيكون موضوعاً قابلاً لتدخل من لهم مصلحة من دول ومنظمات ومحفِّزاً لها خصوصاً الدولة الصهيونية التي تسعى إلى إبقاء اللاجئين والنازحين حيث هم لكي تتخلص من حقهم في العودة إلى ديارهم. عندها قد يتدخل الجيش السوري بحجة حمايتهم ويجلس مع أذرعه في لبنان لتبادل الدعم والحماية، ما يزيد من سفك الدماء ويدخل لبنان في حرب مدمرة تكون القاضية على كيانه.
وأنا أرى أنّ الشعب اللبناني واعٍ لما يُحاك لبلده ومجمع على ضرورة عودة النازحين إلى سوريا اليوم قبل الغد. وسيقف ويدافع عن حقه بأرضه وعن خياره بالتوقف عن إيوائهم مهما كلف الأمر لأنّه وصل إلى نقطة اللاعودة.
