جاد حداد

Beef...أفكار وجودية وكوميديا فائقة

6 أيار 2023

02 : 01

يجمع مسلسل Beef (الصدام)، على شبكة «نتفلكس»، بين الفوضى الترفيهية والحوارات المضحكة لأقصى حد، وهو يتمحور حول سائقَين غاضبَين يجمعهما عداء قوي. إنه خليط نادر وممتع.

يحصل هذا الصدام بين «إيمي» (آلي وونغ)، امرأة ناجحة من مدينة «كالاباساس» حوّلت شغفها إلى عمل بحد ذاته وهي متزوجة من رجل وسيم (جوزيف لي)، ومقاول البناء المتعثر «داني» (ستيفن يون). تتحول مشادة أولية بينهما في موقف سيارات إلى عداء مطوّل ومؤثر على نحو غريب. في الوقت نفسه، ستصبح سيارة الدفع الرباعي البيضاء التي تقودها «إيمي» هوساً حقيقياً.

في الظروف العادية، ما كان أشخاص مثل «داني» و»إيمي» ليجدوا سبباً للتفاعل في ما بينهم. كلاهما في الثلاثينات من العمر، وهما يأتيان من شرق آسيا ويقيمان في لوس أنجلوس، لكن تنشغل «إيمي» في تنظيم المعارض الفاخرة، وتصميم المنازل، وإبرام صفقات بملايين الدولارات، بينما يقتصر عالم «داني» على سندويشات دجاج من «برغر كينغ»، وحِيَل بسيطة، والمشاركة في فرقة الكنيسة الكورية. ما كانت امرأة مثل «إيمي» لتوظف شخصاً مثل «داني» للقيام بأبسط المهام في منزلها، لا سيما إذا راجعت تقييمات عمله.

على غرار بطلَي القصة، يجد المسلسل صعوبة في ترك أثر عاطفي فوري لدى المشاهدين، لكن ثمة سبب وجيه لحصول ذلك. يصعب تصنيف نوع السيناريو الذي لا يُعتبر كوميدياً ولا درامياً بمعنى الكلمة، لكنه لا يدخل أيضاً في خانة الدراما الكوميدية الخفيفة التي حوّلتها خدمات البث من قطاع محلي غريب إلى منتج يتم تصديره على نطاق واسع. يعرض المسلسل قصة تشويق قاتمة ووجودية عن أشخاص متشائمين يتعاملون مع حزن عميق في داخلهم. ورغم الحوارات الكوميدية بامتياز، لا يتحول هذا الجانب بسهولة إلى محتوى ترفيهي خفيف. لكن سرعان ما يتخذ المسلسل منحىً سلساً ويقدّم محتوىً يستحق المشاهدة بفضل رؤية صانع العمل، لي سونغ جين، الفريدة من نوعها والتحولات غير المتوقعة في الحبكة المعروضة.

لن يتفاجأ المشاهدون بنوعية العمل إذا سبق وشاهدوا طبيعة أعمال وونغ ويون. كان ستيفن يون نجم أفلام بارزة في الولايات المتحدة (Nope (لا) وMinari))، وفي كوريا الجنوبية (Burning (الحريق)). أما آلي وونغ، فهي الكوميدية التي تقدّم رؤية نسوية سوقية عن الحياة العائلية، لا سيما في أحدث مشروع شاركت فيه على «نتفلكس» قبل طلاقها، ما يجعلها الممثلة المناسبة لتقديم دور «إيمي» الجامحة. سبق وعمل الممثلان معاً في مسلسل الرسوم المتحركة Tuca & Bertie (أعطت وونغ صوتها لشخصية العصفورة المغرّدة «بيرتي»، بينما أعطى يون صوته لحبيب «بيرتي»، عصفور أبو الحناء «سبيكل»، وشارك جوزيف لي أيضاً في كتابة السيناريو). لكنهما لم يشاركا يوماً في مشروع يتطلب هذا النوع من الاستثمار الشخصي.

على صعيد آخر، يحمل المسلسل مواصفات معروفة في أعمال شركة الترفيه المستقلة A24، ويبلغ الجانب العاطفي الروحي المؤثر أعلى مستوياته في لحظة واحدة على الأقل، بما يشبه الفيلم الذي نال جائزة أوسكار حديثاً، Everything Everywhere All at Once (كل شيء في كل مكان دفعةً واحدة)، من إنتاج شركة A24 أيضاً. لكن تبدو مشاعر الحنين الوجودي هذه المرة أقرب إلى أجواء القلق والتوتر التي تمُيّز أعمال المخرج والكاتب الألماني الشهير فيرنر هيرزوغ. تبدأ الحلقات بعناوين متنوعة مثلThe Rapture of Being Alive (نشوة الحياة)، و The Birds Don’t Sing (الطيور لا تغني)، و They Screech in Pain (إنهم يصرخون من الألم)، ويترافق كل عنوان مع لوحات أصلية للرسام والشريك السابق في شبكة «فايس تي في»، ديفيد تشو (يجسّد أيضاً دور نسيب «داني» ذي الميول الإجرامية، «أيزك»). من المتوقع أن يتلاشى هذا النوع من المواضيع الرائجة قريباً.

على غرار معظم إنتاجات شركة A24، يتميّز هذا المسلسل في طرحه لشخصيات لا يتسنى لنا رؤيتها بما يكفي على التلفزيون. لا نعني بذلك الأميركيين من أصل آسيوي، مع أن وجودهم على الشاشة لا يزال محدوداً أيضاً، بل الشخصيات الغاضبة للغاية.

من المنطقي أن تترك هذه اللحظات العلاجية العميقة مجالاً كي يستوعبها المشاهدون، ويجدوا التوازن العاطفي المرتبط بها، ويتعاملوا مع أي مشاعر مفرطة بطريقة صحية ومعتدلة. يُفترض أن يتضاعف هذا الأثر حين يقدّمه أشخاص ينتمون إلى ثقافة معروفة بنزعة الاسترخاء ويقيمون في وسط جنوب كاليفورنيا. يشتكي «داني» في أحد المشاهد قائلاً: «لقد سئمتُ من الابتسام، يا صاح». لكنه يعرف في الوقت نفسه أن الآخرين سيلتقطون صورته حين ينزع هذا القناع السعيد ولو لحظة بسيطة، ويُعلّقونها على أبواب الجيران، وينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولن تزول عواقب هذه الخطوة يوماً.

يتوحّد «داني» و»إيمي»، رغم جميع الاختلافات بينهما، بسبب رغبتهما القوية في الانتفاض ضد هذه المراقبة المفروضة عليهما على مدار الساعة. قد تبدو نزعتهما إلى التذمر من أبسط الأشياء واتخاذ قرارات مشكوك بها مفرطة في الحلقات الأولى، لكنها ليست شيئاً أمام ما يحصل في الحلقات اللاحقة. في خضم هذه الفوضى الترفيهية، يتوصل العمل إلى استنتاج مثير للاهتمام مفاده أن إطلاق العنان لمشاعر الغضب قد يكون أقصر طريق للشعور بالحياة مجدداً، وبغض النظر عن رأي المعالجين النفسيين بهذا الموضوع!


MISS 3