مبادرة 4 آب: قضيّة لكلّ الوطن

19 : 29

تحت عنوان "آفاق تربوية لقضية ٤ آب"، إنطلق مؤتمر مبادرة 4 آب في الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية اليوم السبت، برعاية البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.



وقد حضر المؤتمر مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس المتروبوليت سلوان موسى، ممثّل مطران بيروت للموارنة بولس عبد الساتر، الأب طوني كرم، ممثل متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة المتقدم في الكهنة نكتاريوس خيرالله، ممثل مطران بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك جورج بقعوني الأب أغابيوس كفوري، النائب العام في الرهبنة المريميّة المارونية الأب إدمون رزق المرشد العام لرابطة الأخويات في لبنان، رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم، الأمينة العامة لرابطة الأخويات في لبنان ابتسام نصر ورؤساء وأعضاء اللجان المركزية للأخويات، النائب رازي الحاج والنائب أنطوان حبشي، ممثّل عن النائب نعمة افرام، جميل كساب، وممثلة عن وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال هيلدا الخوري، وممثلين عن الجماعات الروحية والكنسية والتربوية والأكاديمية والثقافية والإعلامية.




وشدد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر في كلمته على أنّ ذكرى 4 آب "دخلت في ذاكرةِ الوطن الجماعيّة وشكّلت "حالةَ دراسةٍ " قلّ مثيلهُا، ليس فقط من بابِ الأذى الذي ولّدتهُ إنما أيضاً لعدم وضوحِ الأسباب وفقدانِ حقيقةِ ما حصل والاختلاف حولَ آليةِ التحقيق".


وأضاف نصر أنّنا " نحن أهل العلم والتربية، سنأخذ على عاتقِنا تربية أجيالٍ على معنى الحقيقة والعدالة، على حبّ الوطن والحفاط عليه وعلى ممتلكاته وأرضه وشعبه ومؤسساته. نحن نريدُ ألا تدخُلَ هذه الذكرى طيّ الكتمان. نحن نريد أن نتعلمّ منها ونستعبِرَ من معانيها لكي يكون كلّ مواطنٍ أكثرَ حبّ لوطنِهِ ولأرضِهِ ولشعبِهِ ولمؤسساتِهِ".



ولفت نصر الى أننا "نريدُ أن نربّيَ طلّابنا على تحمّلِ المسؤولية لئلا يتكرر تاريخ 4 آب وما تبعه من مصائب مرة أخرى. لقد سئمت نفوسُنا من الخوف والحزن والأسى واللوعة. لقد تعبنا من انتظارِ الأسوأَ في حياتِنا. كل منا يعيشُ في لبنان مستشعراَ الخطرَ الداهم وكأن دمَه على كفِّه".


وأشار نصر الى أنه "يبقى للتربية أن تقولَ كلمتها وتلعبَ دورَها في بناءِ وطن الأحلام وتربيةِ الأجيال"، مؤكداً أننا" سندُخِلَ في مناهجنا الجديدة أسساً واضحةً للتربيةِ على المواطنيةِ الوطنيةِ والأخلاقيةِ والمؤسساتيةِ والديمقراطيةِ والفاعلة والحاضنة والتفاعليةِ والرقمية والكونية والمسؤولة والمحاسبة والناقدة والمستشرفة للمستقبل".



وختم نصر قائلاً: "نحن نريد أن نقول للعالم أجمع: شعبنا يستحقُّ الحياة. نريدُ أن نبنيَ بأنفسِنا وطنَ الأحلام، وطنَ القانون والمؤسسات، وطنَ البحبوحة والرخاء، وطنَ الإقتصاد والإزدهار".


من جهته، اعتبر مؤسس مبادرة 4 آب ونجل الضحية غسان حصروتي، المهندس إيلي حصروتي، أنّ "الرابع من آب بكل فظاعته وأسبابه ليس تاريخاً فحسب، بل هو مرض، حالة سكنتنا، متجذّرة بنا، ومن خلالنا، في مجتمعنا ووطننا، ونحن بحاجة كي نرى هذه الحقيقة أوّلاً، ونعترف بها ونتحمّل المسؤوليّة، كي لا نصبح جميعنا ضحايا 4 آب".




أضاف حصروتي أننا "بتنا بحاجة كي نتّعظ من تاريخ 4 آب ونتعلّم منّه. وهكذا نكون قد انتقلنا من ردة الفعل، من موقف الضحيّة، إلى الفعل، إلى المبادرة وتحمّل المسؤوليّة".


وتابع حصروتي: "علينا أن نبني لبنان المنهار، بحسب أسس جديدة، هي الحقيقة والعدالة، والتعرّف على سرديات الجميع، وتقديس آلام الجميع، وبناء أسس العيش معاً والتطلّع سويّاً لوطن منيع مزدهر. قضية 4 آب هي قضية وطن، قضيّة كل لبناني وكل إنسان".




ولفت حصروتي الى أنّنا "ارتأينا كمجموعة "مبادرة 4 آب" أنّ المدارس والجامعات هي أفضل قاعدة لإطلاق هذه الديناميكيّة وهذه المبادرة لكونها مبادرة وعي أوّلاً. فكان لقاء جامعاً مع الأكاديميين والجامعيّين في جامعة العائلة المقدّسة بالبترون، وفتح لنا المدخل إلى المدارس الكاثوليكيّة، فكان تخصيص يوم 6 أيار، عيد الشهداء في لبنان، يوم تضامُن مع الضحايا والشهداء والجرحى والمتضررين في جريمة تفجير المرفأ، وصرخةَ لأجل الحقيقة والعدالة".


وشدد حصروتي على أننا "مستمرون ومنتظرون أن نسمع اقتراحاتكم، وأن تمدّوا لنا أيديكم كي نبادر معاً، ونضع حدّاً للخنوع والخوف واللامبالاة، ولكل التراكم الثقافي والنفسي الذي فجّرنا".




وختم حصروتي قائلاً إنّ "يوم 4 آب سنة 2020، هو يوم الحقيقة الصارخة التي تنادي ضمير كلّ واحد مِنّا. نريد أن نعرف حقيقة ما حصل وأسبابه واكتشاف المسؤول عن هذه الجريمة ومحاسبته. كما علينا أن ننتبّه جيّداً، فنحن يمكن أن نكون كلّنا شركاء بالجريمة أو بالخلاص، ونأخد موقفاً مسؤولاً واحداً يحمي إنسانيّتنا".


وفي حوار عن أبعاد 4 آب بالشقَّين القانوني والنفسي، شدّد رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق القاضي غالب غانم على أنّ "منتهى الطمأنينة والأمان هو أن يحيا الناس في حمى القانون وأن يستظلّوا خيامه"، متسائلاً: "هل القانون شاهد أم شهيد؟".


وأشار غانم الى أنّ "أوهام الأقوياء في وطننا تكمن في أنّ القاعدة القانونية لن تقوّض قلاعهم، ولن تطأ مرابط خيلهم".


ورأى غانم أنّه "كلّما عظمت المأساة، أو تفاقمت الأضرار، أو تضاعفت الجراح إيلاماً، كلّما بات ملحّاً ألا يتراخى أوان التصدّي والمعالجة"، معتبراً أنه "إذا كانت السياسة حتى الآن، لا ترغب في حماية القضاء، فعلى المجتمع أن يحميه، وذلك جنباً إلى جنب مع مسؤوليّة تعزيز ثقافة دولة القانون وحكم القانون".


ولفت غانم الى أنّ "تخلّي المجتمع عن معاضدة القضاة الصالحين في هذا المعترك، لا يُحبطهم فحسب، بل يسيء إلى المجتمع نفسه"، معتبراً أنّ "أي قاعدة قانونية ملتبسة - بمقدار غير مألوف - تكون وبالاً، لا على القاعدة ذاتها فحسب، بل على العدالة أيضاً".


من ناحيتها، اعتبرت المستشارة في قسم الأبحاث الطبية النفسية في جامعة ستانفورد الدكتورة سهاد الشبير أنّ "التركيز ضروريّ على تعامل المدارس مع الطلاب"، وشرحت بطريقة علميّة أجزاء الدماغ والأسباب التي تعزّز من الصدمات النفسية لدى الإنسان.




وأكدت الشبير أنّ "الأدوية قد تساعد وتخفف من الاضطرابات، لكن علينا مواجهة ما حصل معنا، وسرد الحوادث وحتى زيارة المكان الذي اندلعت فيه الواقعة".


ولفتت الشبير الى أنّ للصدمات النفسية عوارض كثيرة ويجب على المدارس التنبّه إليها جنباً إلى جنب مع الأهل. ومن أهم هذه العوارض: الكوابيس، الخوف الشديد، الغضب، صعوبة الانتباه والتركيز، الافتقار الى الأمان والثقة، تجنّب الذكريات المؤلمة، السلوك الدفاعي والاندفاع، التأقلم غير الصحي كاللجوء الى المخدّرات مثلاً".


وأشارت الشبير الى أنه "يجب دعم الشخص الذي يعاني من صدمات نفسيّة وحثّه على التعبير عمّا يخالجه والتحدّث عن كلّ ما يُقلقه"، لافتة الى أنّ "الصدامات النفسية الجماعية تتكوّن بشكل أفقي، أي حدث واحد يؤثّر على مجتمع بأكمله".


أضافت أنّ "الحل يكمن بتنمية المرونة والتفكير الإيجابي وعدم السماح بنقل الصدمات النفسية من جيل الى آخر".


وأدار الحوار الكاهن اليسوعي الأب فادي الشدياق.



وفي نهاية المؤتمر، تلت الدكتورة في علم التربية وديعة الخوري توصيات المؤتمر. ونصّ أبرزها على:


- من الناحية النفسيّة، الاعتراف الشامل في الميادين والمؤسسات كافة في لبنان بحقيقة أنّ الشعب اللبنانيّ يُعاني ويتصرّف بحسب تبعات الصّدمات التي عاشها، من لا استقرار أمنيّ واقتصاديّ وحروب وتفجيرات كان أفظعها انفجار 4 آب.


- أولويّة التعاطي مع حقيقة معاناة اللبنانيين من تبعات الصدمات بدءاً من المدارس والدور التربوية.


- تدريب المربّين بمَن فيهم الأهل، للتعامل مع تبعات الصّدمات في حياتهم وحياة أولادهم وطلّابهم.


- إدخال عناصر معالجة آثار الصدمات ضمن البرامج المدرسية والتربوية بكلّ جديّة، وتخصيص الوقت لمرافقة الطلاب نفسياً وروحياً.


- أما من الناحية القانونية والقضائية: حاجة القضاء اللبناني للتعاضد المجتمعي معه من أجل مقاومة محاولات تقويضه، فثمّة قضاةٌ في لبنان لا يزالون يواجهون، ويقرأون في كتاب القانون لا في سواه، ويستوحون العدل والإنصاف، ويردّون الغزوات على أرضِ القضاء.


- إن ترسيخ ثقافة القانون وإدراك طريقة حماية القضاء النزيه تبدأ من المدارس والدور التربويّة، عن طريق تنشئة المربّين والمتعلّمين ليكونوا هم أنفسهم رجال ونساء قانون. وعلى المدارس بالتالي، تدريب الطلاب على كل ما يحتاجه الواقع اللبناني من ثقافة القانون، بدءاً من فهم النصوص الى اقتراح وصياغة قوانين تخدم العدالة الشاملة بشكل أفضل، إلى الحرص من دون أي مواربة على الالتزام بالقوانين وأبعد من كل ذلك، الى التدرب على الفضائل التي هي في أساس صحة دولة القانون.


وفي الختام تم توزيع الدروع التكريمية.



يشار الى أنّ المدارس الكاثوليكية كانت قد أقامت يوم 5 أيار وقفة تضامنيّة مع مبادرة 4 آب، كما شارك الطلاب والهيئة التعليمية في نشاطات وتدريبات تُعنى بكيفيّة تعزيز القانون، خصوصاً أنّ قضية 4 آب ليست فئوية، بل هي قضيّة كل الوطن. 




MISS 3