سناء الجاك

رؤوس حامية على نار حامية

10 أيار 2023

02 : 00

يترافق الدوران في فراغات الشلل اللبناني مع غليان عشوائي يعكسه أداء القيادات التي تواصل عجزها عن أي مبادرة للخروج من هذه الفراغات. لا شيء يوحي بأنّ الحلول خلف الباب، وعلى الرغم من ذلك يرصد المسؤولون عندنا أي تحرك للخارج باتجاه لبنان، أو حتى بغير اتجاهه، ليبدأ التحليل والتفسير بغية إسقاط ما يحصل على الوضع المتأزم والمقفل.

كذلك يبدأ إطلاق المواقف للاستثمار، لعل التسوية الآتية من هذا الخارج، تلحظها وتتكرم على صاحبها ببعض من الحصص المرتقبة في السلطة. لذا يتم رصد ما يقوله السفير السعودي وليد البخاري لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في بزوع فجر الفرج... إلا أنّ تأويل كلامه يذهب في اتجاهات متناقضة وفق أصحاب التأويل.

أمّا مع عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، فانهمار للقراءات كأنّها زخ المطر، بين مهللٍ ومعتبرٍ أنّ محوره انتصر، وبين خائفٍ نادمٍ من أصحاب المواقف الزئبقية يفتّش عن خط الرجعة وتلاوة فعل الندامة حتى لا يفوته القطار و»يطلع من المولد بلا حمص»، وبين ناقمٍ ومُخَيَّبٍ وثائرٍ على المعايير التي تصفح عن القتل وجولات الإبادة الجماعية ومصادرة الحرية والديكتاتورية.

ويأتي فتح ملف أزمة الوجود السوري في لبنان ليثير تساؤلاته، وبكبسة زر يلتهب هذا الملف ويأخذ منحىً تصاعدياً ملغومة توجهاته ومجهولة تبعاته. كذلك يأتي اقتراب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليزيد من هواجس اللبنانيين، لجهة مزيد من ارتفاع سعر صرف الدولار ومزيد من انهيار في سعر صرف العملة الوطنية.

ويقترب موعد انعقاد القمة العربية ولا رئيس للجمهورية ما يضعف الحضور اللبناني، والبلد على حاله من الاحتضار، جثة دولة مرمية على قارعة التطورات المتلاحقة والحسابات غير المتوقعة والبوصلة الفالتة من عقالها.

هذه المرة، ربما ينبغي طرح «السؤال الجنبلاطي»: إلى أين؟ والأكيد أنّ الجواب ليس في متناول أصحاب الرؤوس الحامية الذين وضعوا مصير البلد والناس على نار حامية.

ولعل الشغل بالمفرق هو الأجدى في مرحلة الدوران هذه. على الأقل، هذا ما يراه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي يرتب أولوياته على رواقه. فيشارك في تتويج الملك البريطاني شارل الثالث، ويستمتع بأجواء الاحتفالات التي لا يمكن تفويتها، ومن ثم يُحَضِّر نفسه للمشاركة في أعمال القمة المرتقبة في الرياض، ويعيش أجواءً رئاسيةً ترفع نسبة الادرينالين في شرايينه... وبين المناسبتين يبحث في وضع الكهرباء والاتصالات والانترنت الميت تقريباً. وبالتأكيد من دون أي نتائج فعلية تخفف من هموم اللبنانيين... «وبدنا نتحمل بعض»!

أما رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، فهو صاحب امتياز أسلوب آخر من الدوران. أو لنقل الانعطافات للمواقف المتضاربة، فهو، وبعد صفعة طرد القاضية غادة عون، يعتبر أنّ 7 أيار بالنسبة إليه «هو يوم عودة الوطن إلى الوطن ويوم عودة الحق الى أصحابه».

أمّا في ضوء اتفاق بكين بين السعودية وإيران، نجده لا يتوانى عن الإشادة بالتغيير الكبير جداً، الذي «يقوده الأمير محمد بن سلمان في السعودية، وهو بمثابة ثورة، وهو دعا إلى أن تتحول المنطقة إلى أوروبا جديدة»... ويتصور أنّ ذاكرة المسؤولين السعوديين قصيرة، ولا يمتد حبلها إلى موقفه من قصف منشآت آرامكو.

وكل من يدلي بدلوه من هذه الطبقة من المسؤولين، لا يهتم إلا بالنتيجة التي ستودي إليها مواقفه الحامية، مع احتمال وضع التسوية في لبنان على نار حماية... ولسان حاله يقول: زلزال لله يا محسنين... يمكن أن يشكّل الحافز للانفراجات المرجوة... ويسرِّع في استنباط حلول على وقع الصدمة.


MISS 3