طوني فرنسيس

جنبلاط الحي والقتلة الأموات

17 آذار 2020

02 : 45

بعد 43 سنةً على اغتياله يبقى كمال جنبلاط حياً في ذاكرة محبيه كما في ذاكرة خصومه. حياً في قلوب من آمنوا بمواقفه وسياساته، وحياً في ذاكرة خصوم وجدوا فيه رجلاً يحمل موقفاً مختلفاً يستحق الاحترام.

وبعيداً عن سنتي الحرب الداخلية (1975/ 76 ) اللتين اغرقتا لبنان في تجربة الدم والقهر والسواد، دخل جنبلاط المولود في 1917 تاريخ لبنان من صفحاته الناصعة. هو ابن البيت العريق، تلميذ عين ورقة ومعاهد الحقوق الباريسية، سيصبح نائباً ومؤسساً لحزب تقدمي اشتراكي مع بداية عهد الاستقلال (1949)، ضم في صفوفه نخبة متنوعة الانتماءات الطائفية والمذهبية والمناطقية، في محاولة تُضاف الى محاولات سابقة ابرزها من شريكيه اللاحقين في الحركة الوطنية الحزب الشيوعي والحزب القومي، لدحر الانقسامات الطائفية وبناء مجتمع علماني ديموقراطي في نظام سياسي عصري.

طوال السنوات اللاحقة بقي جنبلاط قطباً نموذجياً في ممارسة الحياة السياسية، في البرلمان كما في الشارع، متمسكاً بالوسائل الديموقراطية حتى النهاية، مؤمناً بأن التغيير السياسي ممكن ان تفرضه تحالفات سياسية واسعة، ومحاولته الاخيرة في هذا الاتجاه كانت إعلانه البرنامج المرحلي للحكم الذي - لدقته - لا يزال صالحاً، في خطوطه العامة، حتى اليوم.

الحروب تخرّب كل شيء. والسلاح في الحروب الاهلية يشوّه الإنسان ويحوله كائناً آخر. وحرب لبنان ليست استثناء. وعندما هدأت بعد انتخاب الياس سركيس رئيساً، كان يفترض أن تُفتح صفحة جديدة بين القوى السياسية المتحاربة، الا أن حافظ الاسد أبلغ سركيس أن جنبلاط "انتهى"، وكتب فؤاد بطرس ذلك حرفياً في مذكراته. كان الاسد ببساطة قرر احتلال لبنان...

بعد 43 سنةً، يرتاح جنبلاط بين أهله ووسط شعب لبناني يعترف به واحداً من قادته المحترمين، ويمضي آل الاسد في إنهاء سوريا التي عرفها العالم مشروع دولة ديموقراطية عصرية، الى ان جاءها البعث وحركاته التصحيحية... الوراثية.