وسام سعادة

الإلتباس اللبناني للمسألة الفلسطينية

18 تموز 2019

09 : 19

"التوطين" كلمة حمّالة أوجه.

فإذا كان المقصود منها السعي لإعطاء اللاجئين الفلسطينيين الجنسية اللبنانية مثلاً، فلا أحدَ في لبنان ولا بين الفلسطينيين طالب بذلك في أيّ يوم من الأيّام. في المقابل، يطالب الإسرائيليون بذلك منذ الخمسينات من القرن الماضي، ويجاريهم بشكل أو بآخر الأميركيّون.


داخلياً، الإجماع على رفض "التوطين" المقصود به منح اللاجئين الفلسطينيين جنسيات لبنانية هو من الإجماعات الكاملة القليلة في تاريخ البلد، إن لم يكن الإجماع الفعلي الوحيد، ولو كان الدافع إليه مختلفاً بين ملّة وأخرى.

ستظهر في المقابل حدود هذا الإجماع ما إن يقارب الموضوع من زاويتين أخريين.

الأولى، هل العمل من أجل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم مسألة يأخذها اللبنانيّون على عاتقهم هم أيضاً، وإذا كانت الحال كذلك فما السبيل، وبأي إطار؟



الثانية، هل يمكن للبلد المزاوجة بين رفض التوطين وبين الإقرار بأنّ واقعة اللجوء الفلسطيني مزمنة، وليست مسألة جيل أو جيلين؟ هنا، غاب ويغيب الإجماع، لصالح المفارقة والإلتباس. فمن يقول بـ"راهنية" عودة الفلسطينيين إلى ديارهم يتعامل في الوقت نفسه مع إقامتهم في لبنان على أنّها مسألة مزمنة، ومن يستظلّ بـ"الواقعية" بالنسبة إلى "حق العودة" ستجده في المقابل غير قادر على التطبّع مع الواقع المزمن للوجود الفلسطيني. واللافت هنا أنّ المقدّمة المضافة إلى الدستور بعد الطائف تأتي بلاءات متلازمة ثلاث في الفقرة "ط" منها: "لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين". فهذه هي النقائض الثلاثة لمقولة "أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين" في مطلع الفقرة نفسها. كما لو أنّها ثلاث معاص يتعاهد اللبنانيّون في ما بينهم على عدم ارتكابها. كما لو أنّها في الوقت نفسه ثلاثة إتهامات يتراشقون بها موسمياً، حرباً أو سلماً. هذه المعاصي الثلاث موضوعة دستورياً بشكل إما أن يعطّل فيه بعضها البعض، تلازماً، وإما أن يبيح فيه بعضها البعض!


بهذا المعنى، يلخّص النص الدستوري المفارقة. فمن جهة، الإجماع على رفض منح اللاجئين الفلسطينيين الجنسية اللبنانية هو إجماع شامل ونادر. لكن الإختلاف سيظهر ما إن يتعلّق الأمر بمسألتي شروط إقامة اللاجئين وسبل عودتهم. إلى حد كبير، فكرة أن تقوم دولة فلسطينية على أراضي 67 غذّت الرجاء بمظلّة استيعابية، بمجرّد أن يكون "فلسطينيو لبنان" قادرين على الإنتقال نظرياً، وجزئياً، إلى مناطق هذه الدولة. أما إذا كان قيام هذه الدولة غير متاح، بنتيجة السياسات الأميركية بالدرجة الأولى، فعندها سيظهر فعلاً أنّ هناك اختلافاً لبنانياً داخلياً حول أسلوب مقاربة مسألة "فلسطينيي لبنان"، وهو اختلاف لا يحلّ بالمكابرة ولا يلغيه التوافق على رفض الجميع منح الجنسية اللبنانية للفلسطينيين، ولا بتحريك فزّاعة التوطين ضدّ بعضنا البعض.


MISS 3