بشارة شربل

كي تتوازن لبنانياً عودة الأسد

19 أيار 2023

02 : 00

قد تصل من جدة الى بيروت تردُّدات الرعشة التي ستصيب أعضاء الوفد اللبناني حين يصافحون الرئيس السوري عائداً مختالاً الى القمة العربية بعد 12 عاماً من إبعاده عن الجامعة ومؤسساتها.

لكن، بعيداً عن "الزحفطونية" اللبنانية الرسمية التي تتعامل مع دمشق وكأن لبنان هو الذي أخطأ بحقها وشكل تلك "الخاصرة الرخوة" الشهيرة في الأدبيات القومية، فإن واجب الوفد اللبناني، لو يستجمع بعض الكرامة والشجاعة، إبلاغ الجامعة العربية في حضور رؤساء دولها، أن قرارات الجامعة المتعلقة بسوريا ولبنان يجب ان تأخذ في الاعتبار ان الشقيق الصغير في خطر وجودي داهم لا تفيد معه الصياغات المدوزنة، ولا الرهانات على النيات الطيبة المعلنة، وهي شبعت تجريباً.

نعلم جميعاً طبيعة الوفد الذي يمثل لبنان. هو بقايا ومخلَّفات المنظومة التي ثار عليها الشعب بعدما تسببت بالانهيار وأساءت لعلاقته مع الاشقاء، وهي تجاهد اليوم لتجديد نفسها عبر ترئيس سليمان فرنجية على كومة الخراب. لكن ذلك لا يلغي واجب الوفد ممارسة الحد الأدنى من المسؤولية. فبدل الشحادة العلنية، يتوجب على ميقاتي وصحبه إبلاغ القادة المجتمعين أنه لا يكفي العمل على منع لبنان من التحول "دولة فاشلة" عبر مدِّه بما يسدُّ رمقه، بل ان استعادة دولته والحفاظ على الكيان هما المدخل الصحيح لمنع ضرره على نفسه ومحيطه. وذلك لا يمكن ان يتم إلا بعودة الانتظام الى مؤسساته الدستورية ووقف التلاعب بالاستحقاقات، والحؤول خصوصاً دون إحلال شعب آخر محل شعب لبنان.

لا نجهل ان الوفد أفشلُ من أن يصارح العرب بأن محور الممانعة يفرض أجندته المانعة قيام الدولة وقيامة لبنان. لكن ما لن يقوله الوفد الممسوك من أذنيه لجملة أسباب، بعضها يعود الى استمتاع بعض شخصياته في الانسحاق، نكتبه علَّ أصداءه تصل الى آذان العرب المجتمعين فيدركون ان كل مشاكلنا التي يعرفونها من نوع انتخاب رئيس وإجراء اصلاحات وبحث مصير السلاح غير الشرعي شديدة الأهمية وكثيرة الالحاح، بيد أن أولوية الأولويات هي خطر النزوح السوري الذي صار وصفه بـ"الكارثة" تقليلاً من خطورته.

لن نكرر ان وجود ما يوازي ثلث عدد سكان لبنان في أراضيه يضغط على اقتصاده وديموغرافيته وأمنه ومستقبل وجوده، بل نلفت الى ان تصريحات وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في جدة لا تبشر بالخير ولا بحل سريع او متوسط الأجل تتولى دمشق فيه مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية.

وإذا استثنينا اللغة الخشبية المعتادة عن "الترحيب بكل النازحين، فهم أحبة نشتاق الى عودتهم"، نجد الخطورة كامنة في ربط المقداد عودة هؤلاء بإعادة الإعمار ثم في مجاهرته بـ"رفض اي مساعدة مشروطة"، ما يعني عملياً: أعطونا المال وسنرى لاحقاً ما يناسبنا في شأن عودة مواطنينا.

قرار "طي الصفحة" مع النظام السوري خيار عربي تحول واقعاً فعلياً. لكن الأهم بالنسبة الى لبنان هو مصارحة العرب بأن مساعدتهم بلدنا المنكوب تبدأ من إنقاذه من تداعيات النزوح، وليكن على رأس المهمات في هذا الإطار "فك ارتباط" كامل بين إعمار سوريا وبين إعادة النازحين. هكذا تتوازن عودة بشار الأسد الى العرب في شقها اللبناني، أما باقي المعادلات فهم أدرى بشعابها.


MISS 3