حسان الزين

تحية إلى دنيس جونسون ديفز

20 أيار 2023

02 : 00

قبل ست سنوات، في 22 أيار 2017، رحل دنيس جونسون ديفز. توفي في مصر التي عاش فيها، وفي السودان، جزءاً من طفولته. وقد أمضى قسماً كبيراً من عمره، الذي بلغ 95 عاماً (مواليد 1922، كندا)، متنقّلاً بين البلدان العربية.

لعلّه فعل ذلك مشدوداً إلى طفولته، وتحت تأثير الرغبة في استعادتها والعيش في أماكنها وشم روائحها وسماع أصواتها.

ربّما ذلك، وربما هي الصدفة، كما يقول، ما حدّد مسيرته المهنية.

كان في الرابعة عشرة من عمره حين حال سنّه بينه وبين مواصلته لعب السكواش في مدرسته اللندنية. حزن لذلك، فتضامن معه والده وقصد المدرسة كي تمنحه استثناءً، فهو بارع في اللعبة، بحسب والده. وإذ رفضت الإدارة ذلك، هدّد الأب الغاضب بمغادرة ابنه المدرسة نهائيّاً. لكنّه قوبل بالرفض.

بعد ذلك، أحس الطفل، ديفز، بحرج والده الذي بالغ في الانحياز إليه، فغامر بمستقبله التعليمي.

وما إن سأله الأب كيف سيخرجان من هذا النفق حتّى أجاب الطفل بأنه يريد أن يتعلّم اللغة العربية.

وكان له ذلك. ثم عاد إلى القاهرة. وهناك قرأ أدب توفيق الحكيم وطه حسين ومحمود تيمور. انشدَّ إلى أجوائه، وتحمّس لترجمته إلى الإنكليزية.

ويروي ديفز أنه واجه صعوبات جمّة. ترجم مجموعة قصص لتيمور، لكنّ صديقاً له، لا يتقن العربية، أحس بأن النص المترجم يخالف لغة شكسبير. انتبه ديفز إلى أنه انشغل بنقل النص العربي بحرفيّته من دون اكتراث باللغة المنقول إليها.

لم يكن ذلك السبب الوحيد لتأخر نشر المجموعة في لندن. واجه ديفز مشكلة غياب ناشر إنكليزي للأدب العربي. أعاد صوغ ترجمته لقصص تيمور واصدرها على نفقته (1946).

وهكذا، صار رائد ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإنكليزية، وفق نجيب محفوظ وإدوارد سعيد.

ترجم كثيراً. عرّف قارئ الإنكليزية بكتّاب عرب، منهم: نجيب محفوظ، يحيي حقي، يوسف إدريس، إدوارد الخراط، الطيب صالح، جبرا إبراهيم جبرا، غسان كنفاني، ليلي بعلبكي وزكريا تامر.

وإذ اهتم ديفز بالروايات والقصص العربية، ووهب لترجمتها حياته، اختار الشاعر الفلسطيني محمود درويش وحيداً لنقل قصائده إلى الإنكليزية.

وخلال هذه المسيرة، التي وصل مجموع ما ترجمه إلى ثلاثين مجلّداً، لم يكن ديفز مترجماً فحسب. كان قارئاً للأدب العربي. وكان، نظراً لغياب المؤسسات الإنكليزية المهتمة بنقل الأدب العربي الحديث إلى الإنكليزية، الباحث الذي يختار بنفسه النصوص التي يعمل عليها. وقد جلب له ذلك انتقادات كثيرة تتهمه بالإنتقائية والمزاجية والحسابات الشخصية.

على رغم ذلك، واصل المهمة التي بدأها. وكان دائماً باحثاً عن ناشر يشاركه المغامرة ويُصدر أدباً غريباً غير معروف لدى قارئ الإنكليزية ولا يقين بشأن مستواه.

وكان ذلك بالنسبة إلى ديفز تحدّياً وجوديّاً، مهنياً وعمليّاً أولاً، وكخيار ثقافي تحوّل إلى مغامرة شخصية رهنت كيانه ومسيرته وعمره.

وربما أعانه على تجاوز ذلك فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل (1988). فهو مَن أخرج هذا الأديب المصري من القاهرة وفتح لأعماله الباب إلى العالم ولغاته.

يستحق دنيس جونسون ديفز أن نتذكّره، ونلقي عليه التحية والسلام.


MISS 3