جورج بوعبدو

أسامة الرحباني: "بعد سنين" يطيرُ بِكَ نحو فضاءات خصبة وهبة طوجي "منجم ألماس"

20 أيار 2023

02 : 02

كما عند كل رجوع بعد غياب يطلّ الثنائي الفنّي أسامة الرحباني وهبة طوجي بألبومٍ جديد زاخر بالتميّز والتألّق، هو ثمرة عملٍ مضنٍ ومجهود امتدّ على سنوات أدى الى مجموعة من الاغنيات المتنوّعة التي تقدّم طوجي بحلّة جديدة، كونها لم تحصرها بلونٍ واحد بل تعدّته الى بلدانٍ وحضاراتٍ مختلفة. والالبوم - الذي أُطلق قبل اسبوع وتصدّرت اغنية "بعد سنين" فيه السباق الاذاعي - يحصد اعجاباً كبيراً وتساؤلات من البعض عن إطلالة طوجي الفنية الأخيرة. عن الالبوم الأخير ومشاريع الثنائي المتشعّبة والفنّ عموماً دار هذا اللقاء مع المؤلف الموسيقي والفنان أسامة الرحباني.



ألبوم هبة طوجي الأخير "بعد سنين" بالغ التنوّع وينهل من حضارات مختلفة بمعنى انك قدّمتها بصورة مختلفة تماماً عن السابق. لماذا؟

إذا كنت تملك منجم ألماس ألا تستخرج منه أثمن وأرقى الجواهر؟ تلك الحال مع صوت هبة طوجي. شخصيتها مزيج من الثقافات المتعددة؛ من عربية وفرنكوفونية وأنغلوفونية. ناهيك عن الفرادة والتميز الملحوظ لديها. لا صوت يشبه صوتها في العالم العربي بحالته الطبيعية، فكيف إذا حمّلته أنواعاً من حضارات مختلفة؟ وحده من يغني وتعلّم المسرح يجيد تأدية الـChanson à texte أو ما شابهها من أغان درامية. ولذلك يبرع معظم الفنانين في أداء الأغنية الخفيفة أو الشعبية بينما ما تقدمه هبة يتطلب تركيزاً وجهداً كبيرين في دمج الحواس مع الكلام بما يتناسب مع الموسيقى والحركة في آن؛ ولهذا الأمر أبعاده المختلفة.

والتنوع كان حاضراً دائماً في أعمالي مع طوجي إذ لدينا أكثر من 200 أغنية، بين مسجلة في الأستوديو ومقدمة على المسارح، بالإضافة الى ألبوم 30 الذي أطلقناه في العام 2017، ويتضمن 30 أغنية مختلفة، بينها الوطني والشعبي؛ وتخاطب الأجيال كافة. لا اعلم لمَ ينسى المرء او يتفاجأ بهذا التنوع مع انه كان حاضراً دوماً في اعمالنا سابقاً وليس وليد اليوم؟

في الألبوم الجديد تقنيات في الصوت والتوزيع الموسيقي قلّما نشهد لها مثيلاً أخبرنا عنها.

ثمة سحر خاص وتنوّع بالألبوم بأكمله يصل الى ذروته القصوى بأغنية "قصة حبّ". ليس من السهل إبتكار ما هو أقوى تقنياً من هذه الأغنية. بدأت بالتفكير بها منذ 13 عاماً، وعملت عليها على مراحل عدة، فالمطلع لوحده أخذ عاماً من التفكير؛ من ثم مزجت كلمات الأغنية مع موسيقى الـ Gospel والأوركسترا. وأنوّه هنا بدور طوجي المميز وتحديداً عند مشاركتها في الاداء "الكورسي" هنا وفي معظم أغانيها. أشبّه الاغنية بقطعةٍ مخملية فريدة من نوعها تسحر الأذهان لما فيها من إعجازٍ تقني. ففي الاغنية هذه صرخة أدّتها طوجي إستمرت لمدة 26 ثانية تسحر حواسك والالبوم بأكمله يطير بك نحو فضاءات خصبة.

و"قصّة حب" مهداة الى روح الصديق وليد إتيّم الذي كان مموّلنا بالموسيقى، إذا صحّ التعبير. كان بوصلتنا الى أغنياتٍ وموسيقى من أنحاء العالم كافة، والحاضر الدائم في جلسات إستماع طويلة. وإتيّم كان يصف الاغنية التي تشكّل ثورة في الابداع بـ"الجمباز". لو كان حياً بيننا لَنعت هذه الاغنية بالذات بهذه الصفة.

ما يميّز هذه الاغنية هي انني استخدمت فيها تقنيات معيّنة لإيصال فحواها؛ واكتشاف مساحاتٍ أكبر في صوت طوجي؛ بالتزامن مع تمارين مكثّفة للوصول بصوتها الى أعلى المستويات. وبالطبع أدى هذا الأمر الى تنوّع الألبوم الذي تضمن أنواعاً مختلفة، منها الرومنسي والـChanson à Texte وأغانٍ أخرى تحكي الإلتزام والعنفوان المغمور بالحنين الى الماضي كأغنية "راجع من رماده الفينيق". لا يمكن أن تتخيل مدى قوّة الكلام والعنفوان؛ لتأتيك من ثم الموسيقى المثيرة للأحاسيس الجياشة، فيرجع بك الحنين الى أرض الوطن.





تميّز وجمهور

ما الذي يميز هبة طوجي برأيك؟


تميّزها فرادة صوتها والكاريزما وأحاسيسها المرهفة وتقنياتها المحترفة والموهبة العالية، وكلّ هذه الميزات مستمدة من تنوّع الثقافات لديها. هبة في الحفلات هي أكثر الفنانات تأهيلاً لتأدية القرار والجواب في الموسيقى التي تترجمها والتي أصنع قالبها بنفسي. لا تجد من يغنّي بهذه الطريقة. ما يميزها أيضاً طبعها المتمرّد والهادئ في الوقت عينه، وكأنّه بركان ينتظر الفوران. إنها فنانة شاملة وقد جسّدت ذلك بمشاركتها الملموسة بالألبوم؛ من حيث التلحين وصياغة كلمات بعض الاغاني ومواكبتها لكافة مراحل الالبوم من التنفيذ الى التصوير وعمليات المونتاج، فكل المراحل خاضعة لإشرافها.

ما رأيك في كثرة الفنانين اليوم، وهل يؤثر هذا الأمر سلباً على وصول الفنان الحقيقي؟

أتاحت التكنولوجيا الحديثة اليوم الحصول على كل ما يرغب به الفرد من منزله، فكثر النقّاد والفنانون والمؤلفون والسياسيون والشعراء. إنها فوضى عارمة في المجالات كافة وليس من ضوابط أو قيود. من هنا أهمية الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في التوعية والإضاءة على ما هو جيد. ولكن، ومن جهة أخرى، تعمل الشركات الكبرى الأميركية على جمع أكبر عدد من المتابعين والمشاهدين على اليوتيوب بغض النظر عن المضمون؛ مما يدر عليها بالأرباح ويسهّل مهمتها في العثور على شخص لامع من دون التعب على إكتشاف موهبته وتطويرها، وهكذا تطلق شخصاً مضمون الشهرة والنجاح بقاعدة شعبية كبيرة.

ماذا عنك، أفكرت يوماً بالنزول عند رغبة الجمهور فأعطيتهم ما يريدون سماعه؟

رأي الناس مهم جداً فهم المتلقي. غالباً ما يقول لي الناس: "لماذا لا تبسّط لنا الموسيقى؟"، فيكون تعليقي بأنني أبحث دائماً عن الموسيقى الجميلة والكلام الجميل ولا أحصر الأغنية بلغة أو بلهجة معيّنة. ثم إنّ الموسيقى تعبّر عن شخصيتي وهويتي، وقد لا تتمّ الاضاءة على هذه الناحية أحياناً، ولكن الموسيقى التي أؤلفها وأعمالي عموماً تشبه شخصيتي، وخير مثال على ذلك أغنية "سلّم على مصر" القريبة من الناس وهي من كلمات الشاعر المصري نادر عبدلله، وأغنية "من بعد سنين" كذلك وتعاونّا فيها مع الملحن المصري "نيس" ونور الدين محمد وجاد خوري. ويتيح هذا التنوّع للفنان التقرّب من الناس والإنفتاح على مجتمعاتٍ وثقافات مختلفة ونشر رسالته الفنية على أوسع نطاق.

هل يتقبّل مجتمعنا العربي كافة أنواع الغناء برأيك؟

في خمسينيات القرن الماضي كان سائداً في العالم العربي غناء الـAlto والـ Mezzo-Soprano؛ وبالتالي لم يكن هناك من شيء لصوت الـ Soprano، وكانت الاصوات متمحورة على مدرسة التجويد و"البدائية" ثم أتى عصر عبد الوهاب وأنّق المغنى، ثم دخلنا عصراً مغايراً مع فيروز وتحديداً مدرسة الأخوين رحباني التي فرضت مساحاتٍ وطبقات مختلفة وجديدة، فتنوّع الأداء معها من الـ pianissimo والـFortissimo والـ Piano والـMezzo Forte. وطبعاً كلّ ما هو جديد يتعرّض للانتقاد والهجوم. وفي عصرنا هذا ومع رواج أغنيات "ويتني هيوستن" و"ماريا كاري" و"سيلين ديون" بدأت الطبقات العالية من هذا النوع تصل للناس عندنا فأصبحوا يتقبّلونها.

كيف تؤثر اللغة على الأداء الموسيقي؟

يختلف تجويف الفك بين لغة وأخرى فأصوات الصينيين مثلاً رفيعة جداً بينما الأتراك صوتهم ضخم وآت من الجوف فهو يشبه شخصيتهم "القاسية" والمتحدرة تاريخياً من سهول آسيا الوسطى. وهذا طبعاً ينعكس على مخارج الحروف والقوة في أداء الأغنية. وبالتالي فإن الصوت يقسم الى خمسة أنواع منها: الأساسي المتمثل بالـChest Voice المنبثق من البطن وصوت الرأس والإستعاري والصفّارة، والصوت الخامس هو الذي يتقن الأصوات كافة في آن. والجدير بالذكر هنا أن هبة طوجي تتمتع بهذه الموهبة بحيث يمكنهـا أداء الأنـواع المذكورة كافة ببراعةٍ فائقة.

ماذا بعد ألبوم من "بعد سنين"؟

نحن على موعد مع حفلة بالبتراء في 21 تموز وأخرى في دار الأوبرا المصرية في 16 حزيران وستحيي طوجي أيضاً الذكرى الـ25 لـNotre Dame de Paris في الـ Palais des Congrès بفرنسا، وما زالت التحضيرات مستمرة لمسرحية "نفرتيتي".

كلمة أخيرة من منبرنا؟

هبة تفهمني جيداً وتساعدني في إيصال أفكاري للناس من خلال الأداء والرأي والموسيقى على حد سواء. لقد عملنا بجهد كبير على الألبوم الأخير وأتمنى له النجاح، فهبة طوجي الملقبة بالـ"مهووس الصغير" تستحق عن جدارة كل الألقاب لما تملكه من روح عذبة وجمال داخلي وخارجي وطاقة لا تنتهي. مع تمنياتي لها بالتوفيق في حياتها الزوجية مع إبراهيم وولديها نائل وريتا.





ألبوم "بعد سنين"... تنوّع وتميّز

يضم الألبوم 13 أغنية، من بينها ديو مع النجم "لويس فونسي" بأغنية "لو نبقى سوا"، ودويتو "بحبك لآخر يوم" مع الموسيقي إبراهيم معلوف، وأغنية الألبوم الرئيسة "بعد سنين" التي أدتها طوجي باللهجة المصرية وهي من كلمات الشاعر نور الدين محمد وألحان "نيس"، ومن توزيع أسامة الرحباني وجورج قسيس، وميكساج ألكسندر ميساكيان. وأغنية "راجع من رماده" لمنصور الرحباني، مع غنائها لخمس أغنيات من كلمات غدي الرحباني، من بينها أغنية "بحبك لآخر يوم" المأخوذة عن أغنية "عاشقين كبار" لـ"جاك بريل"، وأغنية "صار أحلى الكون"، و"قصة حب" و"زمان". وكان لافتاً تعاونها مع الفنان أنطوني خوري من فرقة أدونيس، حيث تولى كتابة أغنية "الأولى" و"حبيبي خلص"، بالاضافة الى تعاونها مع جاد خوري الذي كتب أغنية "سلامات يا هوى". كما صوّرت ثلاث أغنيات على طريقة الفيديو كليب مع المخرجة ليلى كنعان، وأغنية "لو نبقى سوا" و"حبيبي خلص" مع المخرج "لويس فونسي".

الألبوم من إنتاج Universal Arabic Music مع شركة SalxCo الممثلة بالسيد وسيم صليبي.


MISS 3