ترامب يتّكل على المحكمة العليا لإنقاذه!

12 : 51

في مرحلة معينة قبل 29 حزيران 2020، قد تُغرِق المحكمة العليا الأميركية الولايات المتحدة في أخطر أزمة دستورية في عهد ترامب أو تنقذ الأميركيين من تلك الأزمة.أصدرت ثلاث لجان مختلفة في الكونغرس، بالإضافة إلى المدعين العامين في ولاية نيويورك، مذكرات استدعاء للمحاسبين والمصرفيين المسؤولين عن ضرائب الرئيس دونالد ترامب وسجلات أعماله. فرفع ترامب دعوى قضائية لمنع هؤلاء المحاسبين والمصرفيين من الامتثال. لكنه خسر مرتين على مستوى محكمة المقاطعة، ومرتين على مستوى محكمة الاستئناف. لذا يصبّ تركيزه الآن على الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا لإنقاذه.في 31 آذار، ستستمع المحكمة إلى الحجج الشفوية في قضيتَي ترامب ضد شركة "مزارز"، وترامب ضد "دويتشه بنك". سيصدر القرار بين ذلك التاريخ وعطلة المحكمة في الصيف.



صحيح أن ترامب يقاضي المحاسبين والمصرفيين الذين تعامل معهم باعتبارهم مواطنين عاديين، لكن انضمت وزارة العدل الأميركية إلى قضيته أيضاً. وقّع المحامي العام نويل فرانسيسكو على موجز من طرف ثالث نيابةً عن الولايات المتحدة. إنها وثيقة مدهشة بالفعل، فهي تدعو المحكمة العليا إلى التخلي عن جميع السوابق على مر قرنَين واستبدالها بنظام جديد من المراجعة القضائية لمذكرات الاستدعاء التي يصدرها الكونغرس وتشمل رئيس البلاد.

لذا يجب أن يلبّي أمر الاستدعاء التشريعي المتطلبات المتزايدة عند طلب المعلومات من الرئيس. في الحد الأدنى، على المجلس كله أن يأذن بشكلٍ لا لبس فيه بإصدار أمر استدعاء ضد الرئيس. كذلك، لا بد من تحديد الغرض التشريعي بدقة. يجب ألا تفترض المحاكم أن ذلك الغرض شرعي، بل يتعين عليها أن تدقق به بعناية. وكما يحصل مع المعلومات المحمية بامتياز تنفيذي، يجب أن تكون المعلومات المطلوبة من الرئيس محورية لتحقيق الغرض التشريعي. لا تستطيع لجنة الكونغرس أن تتهرب من هذه المتطلبات المتزايدة عبر نقل أمر الاستدعاء إلى أوصياء يشكلون أطرافاً ثالثة في القضية، إذ يحظى هؤلاء الوكلاء عموماً بحقوق وامتيازات من كلّفهم، كما تنص عليه المحكمة في قضايا مشابهة.

صُمّمت جميع المتطلبات في الفقرة الآنف ذكرها خدمةً لهذه الدعوى القضائية. لم يسبق أن فُرِض أيٌّ منها (ولم يتصورها أحد أصلاً) على مر آخر 230 سنة من المناوشات بين الكونغرس والرؤساء.

يذكر مجلس النواب في الموجز الذي قدّمه أن مجالس الكونغرس السابقة حصلت على السجلات المصرفية الخاصة بالرئيسَين أندرو جونسون وجيمي كارتر والسجلات الضريبية العائدة إلى الرئيس ريتشارد نيكسون. كما أنها قرأت مذكرات الرئيس رونالد ريغان وسجلات الفواتير في شركة المحاماة الخاصة بالسيدة الأولى هيلاري كلينتون.

لم يسبق أن فرض القانون على "المجلس كله" أن يعطي الإذن باستدعاء الرئيس إلى المحكمة، ولا أن يكون ذلك الإذن "لا لبس فيه"، بغض النظر عن معنى هذه العبارة.

ولم يسبق أن نصّ القانون على امتداد امتيازات الرئيس، بغض النظر عن طبيعتها، إلى وكلائه في أعماله الخاصة.




ولم يسبق أن نصّ القانون على أن تتولى المحاكم التدقيق بمذكرات الاستدعاء الصادرة عن الكونغرس كي تصادق عليها أو ترفضها. حتى الآن، كانت المحاكم تتعامل دوماً بأقصى درجات الاحترام مع تحقيقات الكونغرس، بدءاً من أول إدارة في واشنطن وصولاً إلى الوقت الراهن.

لا تستطيع إدارة ترامب أن تذكر قانوناً متعارفاً عليه لتبرير مطالبها الجديدة. بل إنها تذكر بعض القضايا العابرة بأسلوب مختصر وعرضي، مع مقاطع ناقصة في منتصف الاقتباس. هي ترتكز في الحجج التي تقدّمها على رؤيتها الخاصة لصلاحيات الرئيس القوية وغير القابلة للتشكيك. يقول محاموه: "يواجه الرئيس خطراً استثنائياً بالتعرّض للمضايقة رداً على سياساته أو أفعاله الرسمية". لتضخيم ذلك الخطر، هم يقتبسون من القضية التي شملت مصادرة مصانع الفولاذ في عهد الرئيس هاري ترومان خلال الحرب الكورية في العام 1952: "تطغى قرارات الرئيس حتى الآن على قرارات أي أطراف أخرى من حيث التأثير والضخامة والانطباع النهائي". ثم يقتبسون لاحقاً كلام المحكمة العليا في قضية باولا جونز ضد الرئيس كلينتون: "يحتل الرئيس منصباً استثنائياً ولديه صلاحيات ومسؤوليات هائلة ومهمة لدرجة أن تفرض عليه المصلحة العامة تركيز انتباهه على واجباته العامة".

سيتذكر كل من يقرأ التاريخ أن ترومان خسر قضية مصنع الفولاذ وأن كلينتون خسر أيضاً معركته الرامية إلى تحصين نفسه من المسؤولية المدنية بتهمة التحرش الجنسي. بشكل عام، يشكّل هذا النوع من الإطراء الانفعالي لمنصب الرئاسة في قرارات المحكمة العليا جائزة ترضية مقابل الادعاءات التي ترفض صلاحيات الرئيس. لكن تستعمل وزارة العدل في عهد ترامب هذا الإطراء وكأنه القانون بحد ذاته، لا القشور التي تغطّي القانون الحقيقي.

يردّ موجز مجلس النواب على تلك الحجج عبر طرح سوابق حقيقية مستخلصة من القانون ذات الصلة ويختصرها بما يلي: "في أكثر من 20 حالة تخصّ نطاق صلاحيات الكونغرس لإجراء التحقيقات، اعترفت هذه المحكمة لمرة واحدة فقط بأن تحقيق الكونغرس تجاوز حدوده الدستورية". كانت تلك القضية بين كيلبورن وتومسون وتعود إلى العام 1880 وتتمحور حول تداعيات إفلاس شركة السندات الكبرىJ. Cooke and Sons. وحتى تلك القضية تعرّضت للنقض في العام 1962. تقول المحكمة العليا: "بشكل عام، كان كليبورن يمثّل السلطة التي تتمسك بالاقتراح القائل إن الكونغرس لا يتمتع بالصلاحيات الدستورية اللازمة للتحقيق بالشؤون الخاصة للأفراد الذين لا يشغلون أي مناصب حكومية إذا كان التحقيق لن يتوصل إلى تشريع قانوني حول الموضوع المُشار إليه". لكن في حالات أخرى، كما حصل مع المحكمة العليا في العام 1951، "قد تلحظ المحكمة أن تحقيق اللجنة المنفصلة تخطى حدود الصلاحيات التشريعية إذا حصل تجاوز واضح للوظائف الموكلة إليها حصراً".

يؤيد هذا السجل مقدمة موجز مجلس النواب: "حصلت خلافات قوية كثيرة حول فصل السلطات قبل هذه المحكمة. وهذا الخلاف الذي يرتبط بأربع مذكرات استدعاء لأطراف ثالثة طلباً للسجلات ولا يغطيه أي امتياز ليس واحداً منها". يضيف مجلس النواب أن العامل الوحيد اللافت في قضيّتَي "مزارز" و"دويتشه بنك" هو نطاق الحجج الاستثنائي الذي يستعمله الرئيس ترامب والمحامي العام لتبرير صلاحيات الرئيس المفترضة وإعاقة التحقيقات بموجب المادة الأولى من الكونغرس حول وظائف التشريع والرقابة".

في مطلق الأحوال، يُفترض أن تنتهي هذه القضايا بهزيمة ترامب بالشكل الذي وصفه رئيس المحكمة العليا جون روبرتس في مزحة شائعة. حين سُئل عن كيفية اتخاذ القرار في قضية معينة ضد أحد الملتمسين، يقال إن روبرتس أجاب بما يلي: "يجب أن تتذكروا أن المحكمة العليا تقتصر على تسعة قضاة". لكننا نعيش اليوم في عصر ترامب. أصبحت المحاكم محزّبة أكثر من أي وقت مضى. صحيح أن ترامب خسر كل جولة سابقة من هذه الدعوى، لكن وافق أحد قضاة الاستئناف على الحجج المطروحة: إنها القاضية ناعومي راو التي عيّنها بنفسه في محكمة الاستئناف الأميركية لدائرة مقاطعة كولومبيا.

عارضت راو معظم الآراء ضد ترامب وطرحت ادعاءً جديداً بارزاً: "حين يطلب الكونغرس معلومات عن مخالفات الرئيس، لا أهمية لوجود غرض تشريعي للتحقيق... يجب أن نتعامل مع المزاعم القائلة إن مسؤولاً غير قابل للعزل تصرف بشكلٍ غير قانوني عن طريق إجراءات العزل... ولا يمكن أن يحقق الكونغرس بهذه القضية إلا عبر مسار العزل".

هذا الكلام الخطير كفيل بإغلاق جميع تحقيقات الكونغرس. فهو يفرض عليه أن يقرر ما إذا كان الفعل غير قانوني قبل بدء التحقيق بذلك الفعل. لا يمكن تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، وهي ليست مصمّمة على الأرجح لتطبيقها بطريقة عملية، بما يتجاوز هدفاً أساسياً واحداً: إغلاق تحقيق غير مرغوب فيه عن الرئيس ترامب.

من الواضح أن تلك الوثائق تشمل مسائل يخشى ترامب كشفها أمام العالم. يبدو أننا نتجه الآن إلى واحدة من ثلاث نتائج محتملة في هذا الخلاف:

أولاً، قد يفرض حكم القانون نفسه، فيخسر ترامب ضد المحاسبين والمصرفيين وتُقدَّم وثائق الاستدعاء إلى الكونغرس.

ثانياً، قد تؤدي الضرورة السياسية التي تحرك راو لإنقاذ ترامب إلى تحريك القضاة المحافظين في المحكمة العليا في الاتجاه نفسه، ما يعني أن تبقى أسرار ترامب خفية بموجب قرار بالأغلبية.

ثالثاً، قد يخسر ترامب ومع ذلك يتابع فرض تأجيلات جديدة لإعاقة تنفيذ أوامر الاستدعاء وتحدي الكونغرس والمحاكم معاً.

ستؤدي هذه النتائج المحتملة كلها إلى جدل متفجّر خلال الصيف قبل انتخابات العام 2020. في الحالة الأولى، سنغرق حتماً في إعصار صاخب من فضائح ترامب. وفي الحالة الثانية، ستصبح شرعية المحكمة العليا موضع شك بطريقة غير مسبوقة منذ عقود أو أكثر. وفي الحالة الثالثة، سنواجه أزمة شاملة في مجال حكم القانون.

في ظل هذه السيناريوات كلها، ستلقي المسائل المطروحة في إجراءات عزل الرئيس منذ بداية العام 2020 بثقلها على نتيجة الانتخابات النهائية. تتعدد المواضيع الشائكة: فساد ترامب المؤكد، المسائل المرتبطة بخضوعه لنظام بوتين في روسيا، رفض الحزب الجمهوري تطبيق القانون إذا كان لا يناسب ترامب... يخطئ من يظن أن الجدل حول هذه المسائل انتهى خلال إجراءات العزل. تنتظرنا تطورات كثيرة في المراحل المقبلة!


MISS 3