نغم شرف

جثث تعيش في أجساد النساء

18 تموز 2019

11 : 47

لوحة للرسام إدوارد هوبر

يمشي تحت شرفتي وبيده سبع حبّات من قلبه، حبّة للنوم، وربما قطرة شفّافة لعينه. يحمل الرجل العجوز جسده في كيس الصيدلية الأزرق، وتؤكّد لي حركته أن الرّجال في أواخر عمرهم يتخلّون عن سلطتهم الجسدية ويصبحون العاطفة التي منعوا عنها في صغرهم. تسير خلفه إمرأة سبعينية، بتنّورة بنية اللون وساق يمنى مليئة بالأورام والشرايين البارزة أسفل ركبتها، نظّارتها الشمسية على رأسها، وبيدها كتاب أسود، وتؤكد لي حركتها أن الجلد المجعّد يسمح للنساء في أواخر أعمارهن باختبار حرية جسدية حرمن منها في سنوات النضارة.


أقول لأختي المراهقة: "لو خرج ماردٌ من فانوس سحري وعرض عليّ الكون مقابل أن أعود وأعيش مرحلة البلوغ وصولاً إلى بداية العشرينات، سأقول له: شكراً ما بدّي".


كنت أظنّ أن البلوغ مرادف للحرية، أن الدم يعلن بمجيئه حقّي بأن أكون، وربّما السبب هو ربط المجتمع للحظة خلق "الصبية" بالدورة الشهرية، وفعلًا نختبر كفتيات ولادة هوية جديدة في هذه المرحلة من الناحيتين الإجتماعية والجسدية، الأخيرة مرفقة دائما بكبت للرغبات بسبب التابو. ننتقل في أقل من نصف عام من اللعب بالتراب في الشارع إلى نزع الشعر في زاوية مضيئة من المنزل، محاولة اكتشاف أفضل طريقة للتعامل مع البثور، الرغبة الطاغية بتناول الحلويات، التقلبات الهرمونية، مفهوم الجمال ومحاولة التحكّم بصدورنا التي تظهر فجأة وتجاهر للأصدقاء والعائلة بخصوبتنا. يجبرنا الجسد الجديد الذي انتقلنا للعيش فيه على التغيّر، الخضوع وإن كنّا من المحظوظات بإعلان الثورة التامة على القوانين المرفقة به.


قبل سبع سنوات أرسلت لي روان هذا المقطع لفرناندو بيسوا: "أن تحيا هو أن تكون آخر، ولا يعقل أن تشعر إذا كان شعورك اليوم هو إياه شعورك بالأمس. فأن تشعر اليوم كما شعرت بالأمس ليس هو الشعور بل التذكار الذي تحفظه اليوم مما شعرت به أمس، هو أن تكون الجثة الحية لما كان بالأمس حياة، ومن حينها فقدتها".


تملك غالبية النساء أكثرمن جثّة حيّة لما كنّ عليه بالأمس من الناحية الجسدية، لبعض الرجال جثثهم أيضاً المرتبطة بمفهوم الرجولة والتي يحظون بها في فترة متأخرة قليلاً كمحاولة تخلّ ورفض للسلطة، لكن جثث النّساء أعمق ومتجذّرة أكثر في مفهوم حياتهن وتفاصيلها وليس بأنوثتهن فقط. جثة الشعور بالذنب من الجنس، جثّة القلق الدائم من رواسب الشريك نفسه وكيفية نظرته إلينا، جثة الوقت المناسب الذي يجب أن يعود أو يخرج فيه جسدنا من المنزل، جثّة لن أرتدي هذا الفستان لأن وزني زائد، جثّة ما الطريقة المناسبة للرقص والضحك، جثث مجاراة أجساد متنكّرة بالحب، البوليميا، العذرية، الحبل، الإنجاب، التعنيف، التحرش، أوجاع الدورة الشهرية، قلق إنتهاء صلاحية البويضات وكل ما يرافق هذا الجسد الجميل من مصاعب فُرضت عليه. ندفن جثث حيواتنا. ننتشلها أحياناً دفاعاً عن أنفسنا وأحياناً اخرى لنتذكّر كم كانت الطريق طويلة، فنربّت على أنفسنا ونشكر كل أجسادنا السابقة والقصص التي تحمّلتها، وندرك أن التفاصيل التي نعرفها نحن وحدنا تستحق شعورنا بالفخر.


قرأت مرة عبارة تشجيعية من تلك التي تحاول إعطاء رغبة بالحياة، وكانت بما معناه: "حين تصبحين إمرأة عجوزاً لن تتذكري السيلوليت الذي منعك من الذهاب إلى البحر بل عدم ذهابك، ارتدي ملابس السباحة وإذهبي إلى البحر". 


ربّما ما أسعى إليه هو استحضار روح جسد المرأة السبعينية وإلباسها لنفسي ولكل امرأة أعرفها قبل قدوم العجز، كوسيلة لمحاربة التنميط الجسدي الذي ننغمس فيه والرواسب التي لا تزال في داخلنا، وأن نقول: "أحمل جسدي عليّ وأعيش به بمعزل عن المحيط والآخر، بعيداً من الخوف، من التناقض بين الخارج والداخل، التخلّي، اللمس، الدونية والأحكام. هذا بيتي الأوّل، أستمتع وأهتم به قدر الإمكان، أحبّه وانا من يضع قوانينه".


MISS 3