رواد مسلم

إعلان سقوط باخموت انتصار شخصي لبريغوجين

24 أيار 2023

02 : 01

خلال إعلان بريغوجين السيطرة على باخموت السبت الماضي (أ ف ب)

أتى إعلان سقوط مدينة باخموت الأوكرانية بكاملها بيد الروس على لسان قائد قوات «فاغنر» شبه العسكرية يفغيني بريغوجين، المسؤول عن العملية العسكرية لـ»تحرير باخموت» من الأوكرانيين، قبل الإعلان الرسمي من وزارة الدفاع الروسية والتهنئة الشفهية المقدّمة من الرئيس فلاديمير بوتين، وأوضح بريغوجين أنه كان على عجلة لإعلان فوز مؤسسة «فاغنر» بقيادته، قبل تأكيد السيطرة ميدانياً من الجيش الأوكراني الذي نفى سيطرة الروس على المدينة بالكامل، مؤكداً أن قوّاته ما زالت تُسيطر على جزء صغير من المدينة غرباً المعروفة بمنطقة المباني الشاهقة أو منطقة «الطائرات» في باخموت، التي تعتبر صعبة عسكريّاً كون المهاجم مكشوفاً وضمن نطاق النيران المباشرة من الجيش الأوكراني المدافع والمتمركز داخل المباني، إضافةً إلى السيطرة على التلال المشرفة شمال المدينة وجنوبها.

وفق التحليل العسكري، سقطت باخموت منذ هروب 70 ألف شخص كانوا يعيشون فيها، ومنذ اعتماد قوات «فاغنر» أسلوب الأرض المحروقة والضربات العشوائية على المباني والمصانع والطرقات، والقتال المستميت في هذه المدينة لتحقيق الانتصار الكامل، فقد خسرت «فاغنر» أعداداً كبيرة من المقاتلين، بلغ 6 أضعاف الخسائر الأوكرانية، إضافةً إلى استنزاف كبير للعتاد والذخائر، وهو ما يتكبده المهاجم في المعارك داخل المدن، حيث كان الجيش الأوكراني في وضع المدافع عن أرضه، متمركزاً في نقاط مموّهة ومخفيّة، وفي كلّ مرّة يتراجع يعمد إلى تفخيخ مواقعه لتكبيد المهاجم خسائر عند وصوله.

بهذا الإعلان يُسوّق بريغوجين لمؤسسة «فاغنر» محلياً في روسيا وعالمياً، فهي تستطيع المشاركة إلى جانب طرف معيّن يمكن أن يكون جيشاً نظامياً، ضدّ جيش آخر أو مجموعات إرهابية. هي ليست على قائمة المنظمات الإرهابية العالمية ويمكن لأي جيش نظامي أو غير نظامي - غير إرهابي، الإستعانة به لمساعدته في المواجهات المسلّحة. إضافةً إلى طموحاته السياسية التي يريد تحقيقها بتأكيده على قوميته الروسية وقتاله من أجل الشعب الروسي الذي يريد كسب تعاطفه ورسم شخصيّة البطل في أذهانهم، لربّما يمكنه أن يحصل على مركز سياسي مستقبلاً، أو أن يكون بديلاً لبوتين في حال أراد الشعب الروسي استبداله، خصوصاً أن روسيا تمرّ بأزمة إقتصادية قاسية نتيجة الحصار الإقتصادي والعقوبات الغربية.

هذا ليس غائباً عن بال الكرملين، لكن بوتين بحاجة إلى «فاغنر» لمساعدة الجيش الروسي، فقد كانت باخموت مسرحاً لصراع مفتوح بين بريغوجين وهيئة الأركان العامة الروسية، مع توجيه قائد «فاغنر» شتائم وإهانات لمسؤولين عسكريين، متّهماً إياهم بعدم تزويد رجاله بالذخيرة الكافية، بهدف إضعافهم. هذا الإعلان عارضته أوكرانيا التي تعتمد تكتيكاً جديداً يمكن أن يفاجئ «فاغنر» في الأيام المقبلة، لإحاطة العدو ومحاصرته داخل المدينة، من خلال الهجوم على 3 محاور.

الأوّل، الهجوم الجبهي في وسط المدينة من الناحية الغربية الذي يمكن أن يكون خداعياً، حيث أن الجيش الأوكراني تراجع قليلاً هناك لنقل جهده إلى المحاور الجانبية في شمال باخموت وجنوبها، وصولاً إلى شرق المدينة حيث يتقدّم لمحاصرة القوات الروسية وقطع طرق الإمدادات اللوجستية، وهذا ما يُسمّى في العلوم العسكرية «المهاجمة من الأكتاف» لإحاطة العدو والسيطرة على بقعته الخلفية، ما يضعف تلقائياً القوات الروسية في الوسط والأمام، وطبعاً ذلك بواسطة الأسلحة الغربية التي قدّمها الغرب، والحماية الجوية التي تؤمّنها الدفاعات الجوية الأوكرانية، والمعلومات الإستخباراتية عبر صور الأقمار الإصطناعية الغربية.

لتثبيت هذا الإنتصار أعلن بريغوجين سحب قوات «فاغنر» من باخموت إعتباراً من الأوّل من حزيران، لإعادة تنظيم صفوفها وتجديد معداتها واستكمال تدريباتها، حيث يريد أن يتجنّب الهجوم الأوكراني المضاد من الأكتاف أو الخلف، لأنه على علم بالتكتيك الأوكراني لاستعادة المدينة، وبالتالي هذا اعتراف واضح من بريغوجين أنه لا توجد أهمية استراتيجية لباخموت، ولن تفتح المجال أمامه أو أمام الجيش الروسي لمتابعة الهجوم والسيطرة على كامل إقليم دونيتسك. فالجيش الأوكراني متمركز دفاعياً في المناطق القريبة وبالأسلحة الغربية الدفاعية التي يصعب إختراقها بعد استنزاف عديد وعتاد «فاغنر» في باخموت، الأمر الذي يؤكد أيضاً أن هذا الإعلان المتسرّع من بريغوجين هو تسجيل انتصار شخصي له في سجله العسكري وسجل مؤسّسة «فاغنر» شبه العسكرية.


MISS 3