جورج بوعبدو

الأديب وجدي يونس: ما ذنب الوطن إذا أخطأ حكّامه؟

24 أيار 2023

02 : 00

أديب وباحث في اللغة العربية. ولد وترعرع في بلدة تنورين قضاء البترون العام 1939 في كنف عائلة متواضعة تهوى الفن والثقافة، فهو شقيق المطربتين الكبيرتين هيام ونزهة يونس. درس القانون في "الجامعة اللبنانية" وكان محبّاً للسياسة، لكنه تخصّص في الأدب العربي محصّلاً دبلوماً فيه من الجامعة نفسها، حصل بعدها على آخر في اللاهوت للعلمانيين في "دير مار أنطونيوس"- السوديكو. بدأ نشاطه الإجتماعي بالتزامن مع دراسته الجامعية، فأسس الرابطة الأدبية في مسقط رأسه مع مجموعة من أصدقائه إيماناً منه بنشر الوعي والثقافة، ساعياً لتطوير المجتمع ليس ثقافياً فحسب بل زراعياً أيضاً، من خلال تنظيم المحاضرات وحملات التوعية التي طالت المزارعين كافة. وفي 1973، أسس الحركة الإجتماعية المسيحيّة بالتعاون مع المونسنيور يوسف مرعب حرب ولجنة الكاريتاس في العام 1980. أمضى 30 عاماً في التعليم فحاضر في الأدب واللغة العربية، وشارك في تطوير المناهج، وأعد الكثير من البرامج الثقافية منها: "إبداعات من لبنان" عبر أثير الإذاعة اللبنانية وبرنامج "لوحات لبنانية" على "تيليه لوميير". له 3 مؤلفات: كتاب "بقية من رفاق" وكتاب نزهة يونس "إشعاع باق" وأخيراً "حصاد الوجد". "نداء الوطن" إلتقت الأديب والباحث وجدي يونس في حوار شيّق بين حنين الماضي وشجون الحاضر.



أخبرنا قليلاً عن الحركة المسيحية؟

أسستُ الحركة المسيحية الاجتماعية في العام 1973، بعد انضمام عدد كبير من أبناء الرعية الى الحركة. بوشرت تمارين مكثفة للمنتسبين وبدأ العمل على جوقة الرعية بمبادرة من كهنة المعهد الأنطوني وجامعة "الكسليك"، و"دير مار انطونيوس" حوب وراهبات العائلة المقدسة والفنانة هيام يونس. وخلال قدّاس احتفالي ترأسه السفير الباباوي المونسنيور ألفريدو برومييرا في العام 1975 بدأ نشاط الحركة رسمياً بمشاركة الجوقة للمرة الأولى وسط حشد جماهيري.

ماذا عن نشاطاتك في "كاريتاس"؟

تعرضت لوعكة صحيّة في العام 1991 فاضطررت الى تقليص مجهودي الإجتماعي، فحصرت نشاطي بـ"كاريتاس" فحسب، حيث كنت أنشر السلام والمحبة من دون اي تفرقة بين مذهب أو عرق، مانحاً المساعدات بالتكافؤ.

"كاريتاس ربّتني"... عمقتني أكثر بالفكر المسيحي وجعلتني أحب العطاء والمجتمع والناس ودرّبتني على الإلتزام وتحكيم الضمير.

ما الذي دفعك الى دخــــــول مجال التعليم؟

إكتشفت مدى قدرتي على العطاء خلال مسيرتي الطويلة مع "كاريتاس"، ووجدت أن التعليم أحد العناصر الأساسية في بناء المجتمع ومن واجبي نقل معرفتي الى الأجيال المقبلة.

وفيما كنت أنتقي الكلمات الجيدة بلا اي شوائب ملبياً خيارات الفنانين، رأيت أنه من الضروري تطبيق هذا النهج على تلامذتي، لان التربية هي الأساس.

وخلال إحدى حفلات التخرّج، قدّم لي طلابي درعاً تذكارياً مكتوباً عليه: "ثقّفَني،علّمني، ربّاني... وجدي ذو الوجه الربّاني"... ما أثلج قلبي فعلاً.



درع تذكاري من أحد طلّابه




كيف كنت تعامل طلابك، وهل من مواقف طريفة تذكر؟


تابعت التغيرات التي طرأت على المناهج في العام 1997 وعشت من خلالها تجربة جديدة بالكامل كما لو أنني عدت الى مقاعد الدراسة.

كنت أتميز بأسلوبي الخاص، فتلامذتي هم اصدقائي، وكنت أستفيد من أخطائهم للبحث في المصادر المتنوعة للكشف عن الأخطاء اللغوية، ما جعلني طالباً من جديد، وأدركت حينها ان ما من نهاية للمعرفة مهما علا شأن الإنسان.



وفي السياق نفسه، لا بد لي من أن أذكر حصول أحد المواقف الطريفة أثناء فترة التعليم. كان أحد الطلاب مغرماً بزميلته وكان يتودد اليها دائماً، فقمت بإنذاره وخيرته بين الوقوف إزاء الحائط أو التوجه الى الإدارة... طبعاً فضّل الوقوف إزاء الحائط.

لم أكن قاسياً معه وقبل إنتهاء وقت الحصة بقليل أمرته بالتوجه نحوي والإلتفات نحو التلاميذ وما كان منّي إلا أن بادرت بالقول: "شربل عمّال بيزيدا مهتم كتير بـميدا ودايخ هوّي رح بيجنّ كيف ميدا جرحت إيدا".



كيف بدأت مسيرتك في عالم البرامج؟

دعيت الى إحدى المناسبات في معهد «الفرير» في العام 2007 وهناك تعرّفت على مدير الإذاعة اللبنانية الاستاذ فؤاد حمدان. وفي سياق الحديث الذي تمحور حول لبنان والبرامج الإذاعية، أشرت الى فكرة برنامج بعنوان «إبداعات من لبنان»، الذي يتناول تراث وحضارة ومعالم ومميزات البلدات اللبنانية، انطلاقاً من مكانها الجغرافي وعدد سكّانها وجمالاتها الطبيعية والآثار التي خلّفها الإنسان أو نظيرها من إبداعات الخالق، وصولاً الى الثقافة والفنون الشعبية والصناعات الحرفية والزراعة التي قدمها الرجالات في شتى الميادين.



وهكذا كان... باشرت بإعداد البرنامج المؤلف من 13 حلقة وقدّمته عبر أثير الإذاعة اللبنانية، ولكنه سرعان ما حظي بشعبية كبيرة محققاً نجاحاً منقطع النظير، أسهم باستمراره على مدى عامين متتاليين ضمن 39 حلقة مليئة بالحنين الى أرض الوطن.



إنتقلت بعدها الى التلفزيون وقدّمت الفكرة عينها الى الأخ نور الذي لم يتردد في تنفيذها، فكان برنامج «لوحات لبنانية» الذي عرض على شاشة «تيليه لوميير» محققاً انتشاراً واسعاً لدى المغتربين.

بالإضافة الى إعداد البرنامج، كنت أسعى دائماً الى التوثيق من خلال مجلدات لأدباء ومؤرخين لبنانيين تارةً أو عبر لقاءاتي مع مخاتير ورؤساء بلديات وكهنة وشيوخ البلدة طوراً. وبالتالي لم أكتف بما ورد بالمجلدات أو بمن إلتقيت، بل كنت أغوص في تحقيق شامل وأقارن بين المعلومات كافة لتقديمها بلا أي شائبة تذكر.



ما هي رسالتك للوطن وأبنائه؟

غزت حضارات عدة لبنان عبر التاريخ منها المماليك الذين أضرموا النار في الضيع والعثمانيون الذين نكّلوا باللبنانيين وأعدموهم... وفي كل مرّة، كان لبنان ينهض من جديد بقوّة أبنائه. لذلك ومن هذا المنبر اتوجه الى الشباب اللبناني بألّا يفقدوا الأمل بأرضهم وليتشبثوا بتراب الوطن، فالنضال واجب علينا جميعاً، فلنقل معاً لا لخطاب الكراهية والفتنة فـ»شو ذنب الوطن إذا أخطأ حكّامه».




ماذا يعني لك أن تصدر كتاباً، وما هي أبرز مؤلفاتك؟


كان شغفي كبيراً في قضايا المجتمع وحب الوطن والأرض، فالصعوبات والأحداث التي مررنا بها خلال الحرب اللبنانية وحرب الإلغاء والإنقسامات بين أبناء الوطن جعلتني أنفر من الأحزاب كافة، وكان توجهي نحو العلم والثقافة لنشر الكلمة الجميلة والراقية البعيدة عن العنف والطائفية. من هنا تشتهر كتاباتي بالأصالة والتاريخ والذكريات، ومن أبرزها: «بقيّة من رفاق» الذي يحكي عن المراحل التي يمر فيها المرء مثنياً على دور الأهل في نجاح أبنائهم في العلم والمجتمع، متناولاً جوانب الحياة كافة، «حصاد الوجد» وقريباً «ذكريات وعبر». أتوجه اليوم في كتاباتي الى اللبناني المقيم والمغترب والى رفاق الدرب وأهل المجتمع بكل أطيافه. فلبنان عزيز على قلوبنا جميعاً ولا يمكنني التفريط به. 





MISS 3