إيفون أنور صعيبي

تبرّعات... "من جيوب الناس"!

25 آذار 2020

02 : 20

مُلفتة كانت لفتة الشعب اللبناني الموجوع الذي قرر أن يضحي بفلس الأرملة المتبقي لديه للتبرع للصليب الأحمر والمستشفيات الحكومية، من أجل تجاوز الأزمة الكورونية وتحدياتها صحّياً ومعيشيّاً. لكن شعور الفرح هذا لم يلبث أن ولد من رحم مشهد وطني أكّد مرّة أخرى أنّ اللبنانيين كانوا السبّاقين أمام سلطتهم أخلاقياً وإنسانياً، حتى امتزج الفرح بقدر من الاشمئزاز. هو قرف ناجم عن تبرّع عدد من السياسيين والأحزاب والمصارف بالأموال لشعب هم أنفسهم تقاسموا عمليات نهبه. من الطبيعي أن يشكّل ذلك استفزازاً للشعب المنتفض ضدّ الفساد وأزلامه المتعاقبين على الحكم منذ التسعينات، فبالنسبة إلى الثوار، يبقى أهل السلطة، ومن يدور في فلكهم من المصرفيين، المسؤولين الوحيدين عن إفقار البلاد وإيصالها الى ما باتت عليه، وهم أنفسهم من تسبّب بإفلاس المالية العامة وبالعجز المتفاقم، لذا وحتى لو تبرعوا بكل ما لديهم سيبقون بعيدين كلّ البعد عن "براءة الذمة"؛ لن يُبرأوا ولن تُبرّأ معهم المصارف التي موّلت فسادهم وهدرهم وانخرطت في ألاعيبهم التحاصصية.

أمس تبرّعت جمعية المصارف بـ6 ملايين دولار لشراء المستلزمات اللازمة لمحاربة "كوفيد 19"، بعدما اتّبعت سياسة تقنين الدولارات نهجاً لها في مواجهة المودعين. وبحسب الثائرين على منظومة النظام الفاشل فإنّ المصارف، التي لم تتوانَ عن جعل اللبنانيين يستعطون دولاراتهم طوال الأشهر الماضية، بادرت اليوم إلى حصد التصفيق لنفسها جراء تبرّعها بالأموال من جيوب زبائنها والصرف من مدّخراتهم. عملية تطبيل وتهليل واكبها مؤتمر صحافي عقده رئيس الحكومة حسان دياب للترحيب بهذه الخطوة وشكر المصارف على خطوتها، بعدما تصرّف، ولا يزال، بعدم مبالاة تجاه ملفات كثيرة، كان من المفترض أن يعيرها أولوية قصوى لإنقاذ مصير اللبنانيين، بدءاً من تغطية نهب أموال المودعين والعمل على قوننة هذا النهب وصولاً إلى الاكتفاء بإعلان لبنان امتناعه عن دفع مستحقات اليوروبوندز، من دون أي خطة عملية توضح للبنانيين مستقبلهم المالي والنقدي.

لقد أثبتت هذه السلطة التنفيذية افتقارها إلى الخبرات الضرورية لإدارة الأزمات المحدقة بالبلد من كلّ حدب وصوب، من هنا تبقى الخدمة الأفضل التي يمكن أن تقدمها مع القوى المصرفية للمجتمع وللمواطنين، أن تستعيد هذه القوى دورها الأساس القاضي بتمويل الاقتصاد والانتاج بدلاً من تمويل الفساد وهدر الوقت في الاجتماعات الفولكلورية والتقاط الصور التذكارية التي لا تطعم خبزاً، بينما الحكومة حريّ بها مشاهدة الطرق والأساليب التي تعتمدها نظيراتها في العالم لناحية البرامج الصحية والخطط المالية التحفيزية لمساعدة مواطنيهم في زمن الكورونا.

فلتفرج المصارف عن أموال الناس المحبوسة لديها على أساس سعر صرف وهمي لا يزال عند الـ1500 ليرة بينما وصل السعر الحقيقي للدولار أمس إلى 2800 ليرة، والناس كفيلة بالتبرع لبعضها البعض بلا منّة من أحد ولا وساطة من أحد... لا سيما من أولئك الذين "يتكارمون من جيوب الناس".