نوال نصر

يشتري بها عقاراً أو يودعها في المصرف أو "تحت الوسادة"

كيف يستثمر اللبناني أمواله؟

11 تموز 2019

00 : 00

ضاع الناس. ضيّعت الدولة ناسها. وما عادوا قادرين على تحديد الأفق بين من ينصحونهم في استثمار أموالهم في شيء... في أي شيء... غير الإيداع في المصارف اللبنانية وبين مَن يعتبرون مثل هذا الكلام فيه كثير من المغالاة!

إستثمارات "كويسة"

فلنسأل الخبراء. جورج قرم، وزير المال السابق والخبير الإقتصادي، أحد أكثر المطالبين بتخفيض الفوائد المصرفية من أجل حثّ الناس على استثمارِها في مشاريع منتجة. لكن فلنسأله: أيّ مشروع يُلائم متقاعد أو متقاعدة لا يفقهان من الإستثمارات الإقتصادية المجدية شيئاً؟ يجيب: "نحتاج الى استثمارات منتجة لا إستثمارات ريعية. هناك إستثمارات "كويسة" في السياحة الداخلية وملفتة للنظر.


بيوتٌ كثيرة حوّلها أصحابها في الجبال الى أوتيلات صغيرة جميلة من ست غرف أو سبع. هذا استثمار منتج بدل وضع الأموال في المصارف. اعتاد اللبنانيون على الحصول على الفوائد العالية وهذا سبب المشاكل الرئيسية في اقتصاد البلد.

ما رأي عضو لجنة الدراسات في جمعية المصارف في لبنان نسيب غبريل حول اعتراض بعض خبراء المال والإقتصاد على الفوائد المصرفية العالية الممنوحة للمودعين بدل حثّهم على الإستثمار في مشاريع منتجة؟




جورج قرم




أسئلة بالجملة!

يستغرب غبريل تبسيط الأمور بهذا الشكل ويقول: "لا استثمارات في البلد ليس لأن الفوائد عالية بل لأن المناخ الإستثماري وبنية الأعمال غير مؤاتيين. ولنأخذ المسح الذي أجراه المنتدى الإقتصادي العالمي وحدد العوائق التي تحول دون فرص الأعمال في لبنان وهي: الضبابية السياسية حيث استغرق تشكيل حكومة نحو ثمانية أشهر، الفساد في القطاع العام، ترهّل البنى التحتية، ضبابية السياسات الإقتصادية والمالية، ارتفاع نسبة التضخم، إرتفاع الضرائب، وصعوبة إنجاز المعاملات مع الإدارات العامة.

ألا يتساءل من يتهم ندرة إقبال المواطنين على الإستثمار عن دور إهتراء بنية الكهرباء التحتية في ذلك؟ ألا يتساءل هؤلاء عن معنى أن تنقطع الكهرباء بمعدل 51 مرة في الشهر عن الشركات في لبنان؟ ثالث أعلى نسبة إنقطاع كهرباء هي في لبنان بعد باكستان وبنغلادش وهذا يُكبّد الشركات اللبنانية 6 في المئة من دخلها. ولبنان، من حيث كلفة الإتصالات، يحلّ خامسا بين الدول الأغلى في عالمِنا العربي.

وترهّل طرقاتنا تُجبر الناس على إصلاح أعطال تستجد في شكل مستمر على مركباتهم. ألا يسأل من يتهم المصارف برفع الودائع عن نتائج كل هذه الترهلات؟ ليست المصارف هي التي ترفع فوائدها بل السوق هو الذي يُحدد مستوى الفوائد. النفقات العامة ارتفعت في لبنان من 6 مليارات في العام 2005 الى 17 مليارا في 2018 أي بنسبة 160 في المئة وأصبحت النفقات العامة توازي 32 في المئة من الناتج المحلي تقريبا.

وهناك مبالغ مستحقة على المخيمات تتجاوز 450 مليون دولار. وأكثر من خمسين في المئة من الأفراد لا يُصرحون عن كامل أرباحهم...




نسيب غبريل




متوسط الفوائد

أرقامٌ ونسبٌ وأعباءٌ إقتصادية وأزماتٌ مالية كثيرة تتوالى على لسان نسيب غبريل. والمسألة ليست سهلة أبدا، والفوائد تخضع لضغوطات السوق ويشرح: "بلغ معدل الفوائد على الودائع اللبنانية في آخر نيسان 2019 8,6 في المئة وعلى الدولار 5,7 في المئة. هذا هو المعدل الوسطي للودائع المصرفية. 77 في المئة من بلدان العالم تملك إقتصاداً منافساً أفضل من لبنان.

جورج قرم يهاجم الفوائد المرتفعة على الودائع المصرفية ونسيب غبريل يتحدث عن مقومات استثمار مفقودة. فلنطرح السؤال على رئيس تجمع رجال الإعمال فؤاد رحمة: بماذا يمكن أن يستثمر الأفراد عوض إيداع أموالهم في المصارف؟

ينطلق رحمة من واقعٍ أساسيّ يدفع الأفراد الى عدمِ القيام باستثمارات بسبب أزمة الثقة ويقول: "البلد "مكربج"، وإصلاح المالية العامة طلب ملحّ، وخطورة التضخم دفع الى رفعِ معدلات الفوائد على العملات اللبنانية كي يصار الى الحدّ من التحويل الى الدولار" ويستطرد "يرى كثيرون أن الإستثمار اليوم غير مجدٍ وبديهي القول إنه لا يمكن البناء على وضعٍ شاذّ مرحلي في السياسة الإستثمارية. في كل حال، الفوائد العالية لن تدوم طويلا خصوصا إذا طُبق سيدر ونفذت الإجراءات الإصلاحية وجرى تأهيل البنى التحتية وتأمين مقومات الإستثمار، حينها سنرى الأفراد يتجهون أكثر نحو الإستثمارات.

فلنفرض جدلا أن المقومات الإستثمارية وُجدت، فما هو القطاع الأجدى؟ بماذا يمكن أن يستثمر المواطن بمبلغٍ متواضع نسبيا بعد سنين من إيداع جنى العمر في مصرف؟ وهل الإستثمار العقاري مجدِ؟


إلى السياحة الداخلية درّ

يلفت جورج قرم الى وجود دورات عقارية طبيعية ويشرح: "يوم توليت أمر وزارة المال ( 1998) كان هناك أكثر من 150 ألف شقة دولوكس وكان العاملون في التطوير العقاري يأتون الى الوزارة ويتباكون على عقارات جامدة. لذا من الضروري كما سبق وقلت الإستثمار في القطاع المعلوماتي وفي السياحة الداخلية".

نسيب غبريل يتحدث من جهته عن تجاوز تسليفات المصارف للقطاع الخاص اللبناني، ووصلت حتى آخر نيسان 2019، إلى 57 مليار دولار، في حين بلغت تسليفات المصارف الى الحكومة 33 مليار دولار. واستطرد: التهويل قلّص حجم تسليفات المصارف الى القطاع الخاص. الناس يتخوفون من التحليلات المجبولة بمرادفات فيها كثير من سيناريو اليونان. وكلنا يعلم أن الثقة ضرورية في البنيتين المالية والإقتصادية.

نعود لنسأل، هل من إقتراحات عن إستثمارات مجدية؟ ولماذا هذا التضارب في آراء خبراء المال بين من يدعون الى خفض الفوائد على الودائع كما جورج قرم وبين من يعتبرون أن المشكلة الأساس في مكانٍ آخر؟

نسيب غبريل يجيب: "يجب أن يرى الإنسان فينا التفاصيل ويقرأ في الأرقام وألّا يعيش في الماضي".



فؤاد رحمة




إستثمار؟ بماذا؟

فلنعد الى رئيس تجمع رجال الأعمال لسؤاله: فلنفترض أن الإصلاح تمّ وعادت الفوائد الى معدلاتها الطبيعية وأُهلت البنى التحتية وظروف الإستثمار عادت مؤاتية بماذا يمكن أن يستثمر اللبناني؟

يقول رحمة: "اللبنانيون يحبذون الإستثمار في العقارات لأنه استثمار ملموس لكن ما لا يعرفونه أن نسبة الأرباح في هذا القطاع محدودة وقد يمرّ في أحيانٍ كثيرة بفترات جمود. لذا لا بُدّ من النظر الى الإقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الجديدة والخروج من الجغرافيا الضيقة، لهذا أدعو الشباب الى الإستثمار فيها، لأن خلاص لبنان لا يكون إلا من خلال هذا النوع من الإستثمارات والمبادرة في خلق شركات ناشئة. فليبادر الشباب.


وليسع كل الأفراد الى ما يتلاءم من قدراتهم. وليكن إصلاحاً بنيوياً وسياسات محفزة للتصدير وحوافز ضريبية وخلق أسواق.

ويستطرد رحمة: رؤساء دول في العالم يسوقون منتجات بلدانهم. رئيس جمهورية أقوى دولة في العالم دونالد ترامب جال العالم وقصد المملكة العربية السعودية من أجل بيع السلاح. ونيكولا ساركوزي جال العالم من أجل بيع الطائرات. وألمانيا منهمكة في إيجاد أسواق لمنتجاتها. وهكذا الأتراك وسواهم. فليتحرك اللبنانيون في هذا الإتجاه أيضاً.



وماذا بعد؟

هل نطلب من اللبنانيين الذين جمعوا القروش البيضاء بعرق الجبين الإستثمار اليوم في بلد، بحالةِ لبنان، في حين أن أصحاب الأموال التي لا تأكلها نيران تُستثمر في الخارج؟

سؤالٌ يبقى مفتوحاً...