أسعد بشارة

حتى لا تُخذل الكنيسة من أبنائها

خذل باسيل الكنيسة (رمزي الحاج)

لم يصرف أحد من الجهد لإنجاح فكرة جمع المسيحيين، كما فعل البطريرك بشارة الراعي. كان هاجس البطريرك الجديد إثر انتخابه، جمع المسيحيين على كلمة سواء، ونجح في أولى خطواته، بترتيب لقاء رباعي في بكركي بين ما سمي بالأقطاب المسيحيين، فنالت الصورة الكثير من البريق اللامع، لكنها حظيت أيضاً بالكثير من الانتقادات، بسبب التمييز بين أبناء الكنيسة، التي كرست عن غير قصد منها، تصنيفاً غير عادل بين أقطاب وأتباع.

رغم كل ما لحق بذاك اللقاء من انتقادات، سجل للبطريرك الراعي أنه بدأ بترجمة تأثير الكنيسة، في خدمة فكرة طالما كانت حلماً لدى الكثير من المسيحيين، وفي خدمة اتفاق على مرحلة جديدة في العلاقات المتوترة، التي طالما كانت نتيجتها على مر عشرات السنين، الكثير من الدماء والدموع والأحقاد والتشتت.

ما بعد اللقاء، كان هناك فراغ طويل وانقلاب على روحية اللقاء، وكانت أيضاً مصالحات كاذبة، ما لبثت أن انكشفت على عداوات متأصلة. اتفاق معراب بدا بعد أسابيع من توقيعه وهماً كبيراً، ومصالحة سمير جعجع وسليمان فرنجية في بكركي، لم تتخط طابع المصالحة الشخصية، وتبين أنّ حلم «الجمع» بقي حلماً، لأنه لم يبن على أسس واضحة، بل على مصالح وتكتيكات آنية.

لماذا التذكير اليوم بكل هذا الإخفاق؟ لقد استعاد البطريرك الراعي حديثاً لغة «جمع» المسيحيين، واستمع الراعي إلى الكثير من النصائح، التي شجعته على القيام بخطوة الجمع مرة ثانية. من هؤلاء المتحمسين النائب جبران باسيل، الذي بدا في المرحلة الأخيرة وكأنه يطلب من الكنيسة أن تجلب له باقي القوى المسيحية إلى اتفاق على اسم يتم تبنيه من الجميع، فيما هذه القوى تتمنع.

كلّفت الكنيسة مطراناً للقيام بجولة على جميع القيادات، وحاولت ترتيب لقاء سياسي شبيه بلقاء الأقطاب، لكنها وهذا الأهم، أعطت رعايتها لآلية اتفاق على جوجلة الأسماء، كي يتم اختيار واحد منها، وهذا ما حصل فعلاً في الاتفاق على اختيار جهاد أزعور، أحد الأسماء التي كان باسيل متحمساً لها، فماذا كانت النتيجة؟

لقد انقلب باسيل على كل هذا المسار، وسواء انقلب مرغماً أم مناوراً، فالنتيجة واحدة، وهي أنّ الطرف الذي استدرج الكنيسة إلى ممارسة تأثيرها لجمع المسيحيين على مرشح رئاسي واحد، هرب في منتصف الطريق، تاركاً فكرة «جمع» المسيحيين، تنتحر على أسوار «حزب الله»، الذي نبّه باسيل إلى أنّ أي اتفاق بينه وبين باقي المعارضة، سيكون له تداعيات خطرة عليه وعلى العلاقة معه.

خذل باسيل الكنيسة، التي راهنت في ظرف صعب على اتفاق يؤدي إلى إنهاء الفراغ، وتبين أنّ هذا الخذلان أتى من طرف أوهم الجميع، أنّه جاهز وقادر على توقيع اتفاق على اسم رئاسي، لتنتهي القصة على شكل تصريحات من النائب آلان عون، أنهت كل هذه المناورة، وأعادت حلم «جمع» المسيحيين، إلى النقطة الصفر.

من هذه الزاوية تترتب على الكنيسة مسؤولية تحميل مسؤولية التعطيل والفراغ للمسؤول المباشر عنها، أي للطرف الذي اندفع إلى طلب التوافق على اسم ثم انكفأ إلى المماطلة بفعل العجز أو بسبب توهم القدرة على المناورة والالتفاف على الجميع، وكل ذلك يفترض أن يأتي ترجمة لتوجهات الكنيسة التي شمّرت عن ساعديها، ودعت القوى المسيحية للاتفاق على اسم واحد.

لم يعد مقبولاً أو جائزاً أن يختبئ الطرف المعطل وراء هذا أو ذاك في الصرح البطريركي، الذين يسوقون لفكرة جمع المسيحيين، ثم بعد فرز الخيط الأبيض عن الأسود، يستمرون في وضع الجميع في سلة واحدة، بما يؤدي إلى تجهيل الفاعل.

البطريرك الراعي بات أمام تحدي هزّ عصاه، لأنّ استمرار تجهيل سبب المشكلة سيطيل أمد الفراغ، وبعد بيان «التيار الوطني الحر» عن اقتراب التوصل إلى اتفاق وشيك مع المعارضة، لن يكون مسموحاً التملص من الاتفاق والهروب إلى الغموض، ولن يكون مسموحاً أن يخرج رئيس «التيار» ليعلن انجاز اتفاق على مرشح رئاسي، وإذا لم يعلن ذلك بشكل واضح، يكون «حزب الله» قد أعلن سيطرته الكاملة على قرار «التيار الوطني الحر»، على مرأى من الجميع بمن فيهم بكركي.