جاد حداد

The Last Czars... خطوة ناقصة في عالم الدراما الوثائقية!

27 آذار 2020

04 : 35

حين نحاول القيام بمهام متعددة في الوقت نفسه، يتراجع أداؤنا في كل ما نفعله! تنطبق هذه الفكرة عموماً على طلاب المدارس الثانوية المجتهدين، لكنها تناسب أيضاً المسلسلات من نوع الدراما الوثائقية. من دون أي رؤية فنية جريئة، يصبح خليط القصص التلفزيونية السردية وصناعة الأفلام الوثائقية محكومين بالفشل. يشكّل المسلسل الجديد The Last Czars (آخر القياصرة) على شبكة "نتفليكس" خير مثال على ذلك.

يروي هذا المسلسل المؤلف من ست حلقات قصة سقوط سلالة رومانوف واندلاع الثورة الروسية. يقتصر خليط السرد المباشر والعناصر الوثائقية في هذا العمل على أشخاص يقدمون وقائع بسيطة عن العائلة المالكة المخلوعة، وتتخلله مشاهد تصل إلى مستويات الميلودراما في المسلسلات الطويلة. يبدو التمثيل مفككاً، فيتكل عشوائياً على محاور الحلقات أو دوافع الشخصيات. إذا اطّلعتَ على الكتب المطلوبة في حصص التاريخ يوماً، ستعرف على الأرجح معظم الأحداث التي يرويها العمل. وحين يطرح المسلسل وجهة نظر معينة، يكشف صراحةً عن تعاطفه المفرط مع العائلة المالكة، مقابل تجاهل معاناة المواطنين الروس والمفكرين الثوريين الذين أوصلوا البلد إلى الثورة الشيوعية.

تكشف أسوأ تفاصيل الأحداث الباهتة (مشهد جنسي غير متقن وغير ضروري) حدود مسلسل The Last Czars. يظهر هذا المشهد بعد 12 دقيقة من بداية الحلقة الأولى، حين يحتفل "نيكي" (روبرت جاك) و"أليكس" (سوزانا هيربرت) بليلة زواجهما. في هذه المرحلة، لا يكون المشاهدون قد عرفوا معلومات كثيرة عن الثنائي الملكي، ولا يخدم هذا المشهد مسار القصة بأي شكل. يخلو أي عمل وثائقي متقن من المشاهد الجنسية طبعاً، ويجب أن يكون هذا النوع من المشاهد مبرراً في الأعمال السردية.





بعد هذه المرحلة، يتبع المسلسل مساراً مألوفاً في قصص عائلة رومانوف، فتظهر مشاهد لليتيمة "أناستازيا" ويضفي صانعو العمل طابعاً يزيد الحنين إلى ماضي العائلة المالكة. كما يحصل في معظم السِيَر التقديسية لهذه العائلة، يكون "راسبوتين" الشخصية المحورية في القصة. يحب المدافعون عن أسرة رومانوف أن يصوروا هذا المستشار الروحاني للقيصر نيقولا كشرير عظيم كان مسؤولاً عن سقوط السلالة، فيما يصوّرون العائلة المالكة كأسرة ساذجة وبريئة. يؤدي بن كارترايت في المسلسل دور "الراهب الأسود" ويقدم أفضل أداء له حتى الآن، لكن تمنعه طريقة سرد القصة من التعمق في شخصية معقدة مثل "راسبوتين".

على صعيد آخر، تبرز معلومات غير دقيقة تاريخياً في The Last Czars. يأخذ الكتّاب تفاصيل لا يمكن تصديقها ويطرحونها كوقائع مثبتة. يجزم المسلسل مثلاً بأن الشعائر الدينية التي قيل إن "راسبوتين" كان يمارسها حقيقية، وتُخصَّص دقائق طويلة لعرض لقاء سرّي بين الرجل التقي المزعوم وابنة مزارع، مع أن جميع السجلات التاريخية لا تذكر أحداثاً مماثلة.

كان لوم "راسبوتين" على سقوط سلالة رومانوف خياراً سهلاً لتبسيط الوقائع الجيوسياسية السائدة في تلك الحقبة، وهو توجّه منطقي في هذا النوع من الأنماط السردية السطحية. لكن حتى أكثر الأشخاص تعاطفاً مع عائلة رومانوف لا يستطيعون إنكار ابتعاد القيصر نيقولا وحاشيته عن شؤون البلاد ومشاكل ذلك الزمن. يسهل أن نفترض بأن الناس كانوا ليتذكروا القيصر كحاكم متوحش وأحمق وغير كفوء لو لم تترسخ الشائعات المتعلقة بشخصية "أناستازيا" اليتيمة في مخيلة الشعب. تتطلب هذه القصة مقاربة أعمق لسرد الأحداث لكن لا يأخذ مسلسل The Last Czars عناء المحاولة أصلاً.

أخيراً، يصعب أن نحدد الفئات التي يستهدفها هذا المسلسل. سيعتبره محبو الأعمال الوثائقية فارغاً من المعلومات القيّمة. وسيعتبره محبو الدراما التاريخية مجرّد تقليد سطحي لمسلسلات أخرى مثل The Tudors أو The Crown (التاج). كما أنه يشمل إيحاءات جنسية واضحة، ما يمنع استعماله كأداة تعليمية في المدارس الثانوية. خلال التسعينات، كان هذا المسلسل ليدخل في خانة الأعمال الإباحية غير المباشرة. لكن في ظل انتشار المواقع الإباحية في هذا العصر، تبدو مشاهد التعري غير المبررة غريبة وغير جاذبة بأي شكل.

قبل انتهاء عصر الدراما التاريخية، من المتوقع أن تصبح عائلة رومانوف وراسبوتين وأهم الشخصيات المؤثرة في الثورة الروسية محور عدد من المسلسلات الفخمة والمكلفة (The Romanoffs على شبكة "أمازون برايم" ليس واحداً منها!). لكن يبدو أننا مضطرون لانتظار إنتاج مسلسل متقن عن تلك الحقبة لأن The Last Czars ليس العمل المنتظر!


MISS 3