د. ميشال الشماعي

حال الطوارئ الكيانيّة

27 آذار 2020

02 : 35

يقف لبنان اليوم أمام مفترق خطير جدّاً لأنّه لا ينحصر في مكان واحد بل هو في مجالات مختلفة. ومقابل ذلك تقف السلطة السياسيّة عاجزة أمام أيّ قرارات جوهريّة من شأنها أن تضع قطار الدّولة على سكّته الحقيقيّة، حيث اندرجت قراراتها في خانة الخجل والدجل السياسي لأنّها لم ترق إلى مستوى الأزمة الرّاهنة. فهل سيستطيع اللّبنانيّون تجاوز عقم الدّولة في اجتراح القرارات الجذريّة؟ أم أنّ واقع الحال الصحّي قد يفرض واقعاً كيانيّاً جديداً؟ وكيف ستتمكّن السلطة السياسيّة من أن توصل سفينة الوطن إلى شاطئ الأمان؟

لقد أتت أزمة "كورونا" العالميّة لتعرّي لبنان واللبنانيّين جميعهم. فسرعان ما تداعت السلطة السياسيّة لتحافظ على المكتسبات التي حقّقتها مع الحكومة الديابيّة من خلال مجموعة تدابير لم ترق إلى الحدّ المطلوب، بل بقيت في إطار الضّروري وليس الحقيقي المطلوب. من هنا، وعلى ما يبدو نتيجة لهذه الاجراءات الناقصة، سنشهد تداعيات نأمل ألا تكون كارثيّة.

أمّا في الموضوع المالي، فما زالت السلطة السياسيّة مصرّة على عدم اتّخاذ أي تدابير جذريّة، للحدّ من الهدر الفادح، والفاضح في عائدات الدّولة الانتاجيّة. لا سيّما في الأماكن التي باتت معلومة لدى الجميع كالكهرباء والجمارك والمطار والمرفأ وليس انتهاء بالمعابر غير الشّرعيّة وحتّى الشرعيّة وغيرها. ونتيجة لهذا التقاعس لجأ اللّبنانيّون إلى تدابير ذاتيّة ليست غريبة عن تاريخهم عبر العصور، لا سيّما في زمن الحرب، زمن الأمن الذّاتي. فصار الأمن الصحّي أمناً ذاتياً حيث شهدت مناطق لبنانيّة إقفالاً تامّاً من قبل الأهالي أنفسهم. وهذا ما أدّى إلى عمليّة فرز طبيعي معروفة الحدود لأنّ الحيّز الطبيعي لتفشّي الفيروس معروف جغرافياً ومناطقياً.

لذلك كلّه، قد نشهد في الأيّام القليلة المقبلة انفلاشاً أكبر للفيروس ما سيؤدّي إلى انفلاش رقعة الأمن الصحّي الذاتي، لكن هذا التوسّع سيضرب الدّولة في كيانيّتها بحيث ستتفتّت عقب الطّارئ الصحيّ ونتيجة لعدم الجديّة المشهود بها للشّعب اللّبناني، لا سيّما في المواضيع الصحيّة، وستصبح مجموعة مناطق تخضع للسلطات الذاتيّة كالبلديّات وبعض الأحزاب المهيمنة أحياناً. وفي هذه الحالة سيشهد الوضع الاجتماعي انزلاقاً نحو المزيد من الاضطرابات الاجتماعيّة التي ستتفاقم نتيجة التدابير الماليّة التي قد تلجأ إليها الدّولة لتسدّ عجزها النّاجم عن تقاعسها. وتجدر الاشارة إلى تنامي ظاهرة شراء الاسلحة مثلا في بعض البلدات الأوروبيّة وفي بعض الولايات الأميركيّة نتيجة لتخوّف النّاس من تفلّت الأمور أمنيّاً. الحمدلله أنّنا في لبنان لسنا بحاجة لأن نشتري أي قطعة سلاح لأنّه في الأساس متفلّت ومشرعنة لاشرعيّته تحت الذرائع المعروفة منذ أكثر أربعة عقود خلت.

بناء على ما تقدّم، لا يبدو أنّ السلطة السياسيّة تملك أيّ خطّة لحالات الطّوارئ التي لم تتجرّأ على إعلانها لدوافع سياسيّة بحتة. لكأنّ السياسة تحمل أن تكون على حساب صحّة النّاس في بلد نهب سياسيّوه مقدّرات ناسهم وأبسط حقوقهم. لكن الأمل ما زال موجودًا من خلال قاعدة العمل وفق مبضع الجرّاح الذي لا يتوانى في استئصال العضو الفاسد من الجسم ليسلم الانسان. هذا وإلا ... لن يسلم الانسان ولا الكيان، وما لم يستطعه العدوّ المعروف والمجهول سيحقّقه التّقصير السياسي والصحّي. فهل ستعيد بناء الوطن القلّة الباقية بكيانيّة جديدة؟