تغيّرات لافتة في جهاز المناعة بسبب "كوفيد طويل الأمد"

02 : 00

يترافق «كوفيد طويل الأمد» مع أكثر من 200 مؤشر محتمل وقد يصيب معظم أعضاء الجسم.

تشير التقديرات إلى إصابة أكثر من 65 مليون شخص اليوم بهذه الحالة الشائكة حول العالم، ويرتفع هذا العدد بشكلٍ يومي. لذا زادت الحاجة إلى فهم الخصائص البيولوجية الكامنة وراءها. ما من علاجات أو فحوصات فاعلة في الوقت الراهن.

لاكتشاف معلومات إضافية عن هذه الحالة، أجرى باحثون من المعهد الوطني الأميركي للصحة فحوصات مكثفة على 12 شخصاً كانوا مصابين بمشكلة «كوفيد طويل الأمد»، ثم قارنوا النتائج بمتطوعين أصحاء لم يلتقطوا العدوى يوماً. كان العلماء يبحثون عن اختلالات في عينات الدم، والسائل الدماغي الشوكي، ونتائج التصوير بالرنين المغناطيسي، وقاموا بسلسلة فحوصات لرصد أي خلل في الجهاز العصبي اللاإرادي.

كانت المجموعة المصابة بمشكلة «كوفيد طويل الأمد» تتألف في معظمها من نساء في منتصف العمر كنّ قد أصبن بفيروس كورونا قبل تسعة أشهر، لكنهن يشعرن حتى الآن بالتعب ويواجهن مشاكل معرفية تؤثر على حياتهن اليومية.

كان عدد الخلايا المناعية من أبرز الاختلافات بين المصابين بـ»كوفيد طويل الأمد» والمتطوعين الأصحاء. مقارنةً بالمجموعة المرجعية، تراجعت أعداد الخلايا المناعية المعروفة بخلايا الذاكرة التائية لدى المصابين بـ»كوفيد طويل الأمد». بشكل عام، تدوم هذه الخلايا لفترة طويلة بعد التقاط العدوى، فتحتفظ بقدرتها على رصد تهديدات معينة وتستدعي بقية عناصر الجهاز المناعي سريعاً لمنع التعرّض لها مجدداً.

على صعيد آخر، حمل المصابون بـ»كوفيد طويل الأمد» أعداداً متزايدة من الخلايا المناعية من نوع الخلايا البائية، والخلايا البائية التي تفرز أجساماً مضادة، ونشطت لديهم الخلايا القاتلة الطبيعية التي ترصد الخلايا المتضررة وتقضي عليها. سجّل هؤلاء المشاركون أيضاً زيادة في جزيئات المراقبة (مثل TIGIT و PD-L1) على الخلايا المناعية، ما يشير إلى احتمال حصول إجهاد مناعي.

يكتب الباحثون في تقريرهم: «يشير استمرار تلك الاختلالات المناعية طوال أشهر بعد التقاط عدوى خفيفة إلى احتمال الإصابة بعدوى دائمة أو إطلاق استجابة مناعية شائبة تجاه تلك العدوى».

رصدت الدراسة اختلافات عدة في مناعة المتطوعين الأصحاء والمصابين بـ»كوفيد طويل الأمد». حلل الباحثون أيضاً الاختلالات في الجهاز العصبي اللاإرادي الذي يسيطر على معدل ضربات القلب، وضغط الدم، وعملية التنفس.

غالباً ما يشعر المصابون بتسارع ضربات القلب والدوار ويوشكون على فقدان الوعي عند النهوض فجأةً (تُسمى هذه الحالة متلازمة تسارع معدل ضربات القلب الانتصابي).

لقياس هذه الآثار، راقب الباحثون التغيرات الحاصلة في ضربات القلب وضغط الدم خلال اختبار الطاولة المائلة، حيث ينتقل الفرد من وضعية التمدد إلى الوقوف، وخلال مناورة فالسالفا حيث ينفخ الفرد الهواء أثناء إغلاق الأنف والفم، ما يؤدي إلى تباطؤ إيقاع القلب في الحالات العادية. تبيّن أن المصابين بـ «كوفيد طويل الأمد» كانوا أقل قدرة على التحكم بضربات القلب وضغط الدم عند زيادة الضغوط الفيزيولوجية.

يذكر الباحثون أن حرارة الجلد تراجعت لدى المصابين بهذه الحالة طوال فترة اختبار الطاولة المائلة، ما يشير إلى إصابتهم بتضيق الأوعية، حيث تنقبض الأوعية الدموية ويتراجع تدفق الدم إلى البشرة.

كانت دراسات سابقة قد ذكرت أن الأعراض العصبية التي ترافق «كوفيد طويل الأمد» قد تنجم عن التهاب في جذع الدماغ وفي البصلة الشمية الدماغية التي تتلقى مدخلات حسية من الأنف. لكن لم ترصد تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي أي اختلالات بنيوية في هاتين المنطقتين.

تبرز الحاجة إلى إجراء أبحاث إضافية لاستكشاف هذا الموضوع، لكن يشير البحث الجديد إلى إمكانية استعمال العلاجات المناعية لاستهداف «كوفيد طويل الأمد» خلال التجارب العيادية.

في النهاية، يستنتج الباحثون: «تدعونا النتائج الأولية إلى إجراء دراسات أخرى وتقييم العناصر التي تنظم المناعة بهدف تخفيف أعباء الصحة العامة التي تترافق مع هذه المتلازمة».

نُشِرت نتائج الدراسة في مجلة «علم الأعصاب: المناعة العصبية والتهاب الأعصاب».