رمال جوني -

النحت على البيض.. فن الابداع والتفرد في لبنان

29 أيار 2023

17 : 01

ما كان بوارد لؤي كاسب، ابن بلدة راشيا الوادي أن يحفر على البيض، قصة وطنه، غير أنه وجد نفسه يحمل آلة الحفر ويرسم رؤيته للمستقبل، يحفر مشكلات وهموم الواقع، عبر منحوتات أقرب الى الإبداع.


يحاول كاسب، الشاب العشريني، أن يستثمر هوايته في اختصاصه بفن الديكور، محاولاً، خلق مساحة تعبير مختلفة، عن تلك السائدة في البلد.



يُعد الحفر في البيض من أصعب أنواع الحفر، الخطأ فيه، يكلفه العودة الى نقطة الصفر، وأحياناً أخرى تتطلّب المنحوتة 20 ساعة عمل لتنجز، هذا الوقت وهذه الدِّقَّة، جعلا من فن كاسب الفريد من نوعه في لبنان، نقطة ارتكاز رئيسة، للعبور بعالمه إلى فن الواقع المحفور في قشرة البيض، وقد يكون الوحيد في لبنان الذي يحفر على بيض الدجاج. تتعدد المنحوتات التي انجزها منذ أن دخل هذا العالم قبل أربعة عشر عاماً تقريباً، وصلت إلى حدود الـ130 منحوتةً تُحاكي الوطن والقضية والشباب والبحث عن الاستقرار، وغيرها من العناوين، وأراد عبرها التأكيد أنّ الفن رسالة متعددة الأبعاد، بل هي ثورة على الواقع.




بعدة طبيب الأسنان يعمل لؤي، يأتي بقشور البيض مادته الرئيسة، ثم يغسلها ويضعها بضع ساعات تحت أشعة الشمس قبل ان يبدأ في الحفر، وحين ينجز واحدة، يشعر بنشوة الانتصار، يمدها بالألوان المناسبة قبل أن يطليها بمادة طبيعية ليحافظ عليها ويضعها في عُبْوَة زجاجية تضفي جمالية عليها.


مرات عديدة انكسرت القشرة معه، واضطرّ على العمل لساعات اضافية، حتى تمرس بعمله وبات يتقنه ويتفنن به، يرسم، يصمم وينحت ثم تولد منحوتة في غاية الابداع. الصدفة قادته إلى هذه الهِواية، حين سقطت بيضة من يد والدته وانكسرت، وقتها خطرت في باله فكرة: "لمَ لا ارسم عليها؟"، قبل أن يطورها نحو الحفر الذي يحتاج دِقَّة، صبراً، فكرة وإرادة.




ساعات طويلة يمضيها في محترفه الصغير فوق منزله في راشيا الوادي، حيث ما زالت بيوتها حجرية قديمة، يعلوها القرميد الأحمر. في الطريق نحو منزله، يمر في سوق راشيا العتيق، حيث ما زال أغلب التجار يحافظون على حرفهم القديمة، من حرفة صناعة الفضة إلى المدافئ إلى الذهب وغيرها. حرفٌ تحافظ على حضورها، جرّاء تمسك أصحابها بها.


ربما هذه العزيمة، دفعت بلؤي ابن الخامسة والعشرين ربيعاً، أن يمضي في حرفته الفريدة والغريبة في آن، بل وجد داخلها شغفه نحو الإبداع. شغفٌ تحول بين يدَيه قصة شاب يبحث عن حريته داخل وطنه، في كل منحوتة قدّم رسالة وعبرة، أراد أن يكون فنُّه عابراً لكل الوطن، لم تكن السياسة بعيدة عنه، فهي تدخل في كل تفاصيل المنحوتة، التي علمته أن الوطن يصنعه الشباب، والتحدي يحمل التغيير نحو الأفضل.



نحو العالمية، توجه لؤي بفنه، ما يقدمه تحفة فنية، قلّة تدخله، نظرا لما يتطلبه من دِقَّة لا متناهية «ليس سهلاً أن تحمل بيضة بوزن ٢ غرام وتحفر عليها خيوطاً مترابطة تحمل قيمة كبرى»..


شغفه جعل من موهبته تتطور، لم يترك شيئاً إلا وحفره، وما زال يرصد أفكاراً مبتكرة ليبدأ بحفرها، وقال في هذا الاطار: "فن الحفر بالبيض هو مواجهة بحد ذاته، وفي كل مرة أفشل أجد فرصة لأتقدم، فهو علمني كيف أصنع شخصية صلبة، قادرة على طرح الافكار المجردة بثقة، تركت منحوتاتي تتحدث بلسان كل فرد، وهذا الإبداع بحد ذاته".


يقدم لؤي نموذجاً عن الشاب الطموح في لبنان، الذي يرفض أن ينتظر الفرصة، بل صنعها بفنه، جعله يتحدث باسمه، فهو فتح له الفرص ليدخل اسمه بين نحّاتي البيض في العالم وهذا يراه إنجازاً بحد ذاته، "فتميُّز عملي هو الذي حملني نحو مشاركتي في معارض خارج لبنان"، على حدّ تعبيره.



المستحيل، حوّله لؤي حقيقة، وتحوّل نحته فرصة عمل له، وراح كثر يطلبونه لأنه هدية غير متكررة، وما يفرح لؤي انه نجح في صناعة حلمه البسيط بإصراره ودعم اسرته.


هو واحد من عشرات الشباب الذي يحاولون ابتكار أحلامهم في بلد لم يؤمن او يدعم طموح الشباب، بلد، عادة ما يرمي بالمبدعين إلى بلاد الهجرة، غير أن فن لؤي قدم نصيحة لجميع الشباب: أحفروا أحلامكم ولو على قشرة بيض. 



MISS 3