غادة حلاوي

المطلوب رأس حاكم المصرف المركزي أم تغيير سلوكه؟

28 آذار 2020

02 : 30

جولة للرئيس دياب في مستشفى رفيق الحريري (دالاتي ونهرا)

ليست سهلة تلك المهمة التي ألقيت على عاتق وزير المال غازي وزني. كلّفه مجلس الوزراء "اتخاذ ما يلزم من إجراءات مع مصرف لبنان والجهات ذات الصلة للقيام بعملية تدقيق محاسبية مركّزة لتبيان الأسباب التي آلت بالوضعين المالي والنقدي إلى الحالة الراهنة". يتداخل العامل المالي بالعامل السياسي هنا. والوزير القادم من عالم الأرقام الذي يقارب عمله بعيدا من الحسابات السياسية قد يجد ان تلك الاخيرة سبقته في التدقيق والمحاسبة.

جاء قرار مجلس الوزراء بعد رفض حاكم مصرف لبنان التعامل بشفافية مع اسئلة مجلس الوزراء حيال الواقع الفعلي للمصرف المركزي وموجوداته. ويقول مصدر وزاري إن الغاية منه تبيان الحقيقة والبناء عليها لوضع خطة إنقاذية "يتعاون فيها جميع الأطراف بحيث نحمي أموال المودعين ونعيد الثقة بالقطاع المصرفي داخلياً وخارجياً"، كاشفاً أن هذا القرار كان قد "استعرض خلفياته رئيس الحكومة حسان دياب في الجلسة التي جمعته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري".

من وجهة نظر أحد أبرز خبراء الاقتصاد في لبنان فإن الخطوة "هامة ومفيدة للتدقيق في حسابات مصرف لبنان بعدما تردد أن مصرف لبنان لم يسلّم للمسؤولين الأرقام المالية الحقيقية التي تظهر حقيقة الوضع المالي والنقدي وأسباب التدهور الحاصل. لكن لنجاح الخطوة شروط منها ان تتسلم المهمة مؤسسات او جهة دولية مشهود لها".

مع الزمن واختلاف العهود، انتخب رؤساء دولة وعين رؤساء حكومات وبقي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ثابتاً منذ تعيينه العام 1993. تحول الرجل الى اسطورة على رأس امبراطورية مالية، كبر دوره وتوسع كما طموحه المشروع كمرشح دائم لرئاسة الجمهورية.

بعد اتفاق الطائف تبدل الواقع السياسي والمالي في لبنان، وتغيرت المعطيات. دخلت الحريرية السياسية مع مجيء الرئيس رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة وأتى برياض سلامة من شركة "الميري لانش" ليكون حاكماً للمصرف المركزي. فتحولت الحاكمية من سند لرئاسة الدولة الى اداة تنفيذية للسياسة المالية الحريرية واستمر على هذا المنوال في عهود توالت من الرؤساء رفيق الحريري الى فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وصولا الى سعد الحريري.

الحاكم الذي اشتهر بطمأنة اللبنانيين على مدى عهده الى ان الليرة اللبنانية بخير وان الوضع النقدي في لبنان سليم ومعافى صار نتيجة تدهور الوضعين المالي والنقدي عرضة للإتهام وقد اهتزت علاقته بالمصارف التي تحولت الى اداة ضغط عليه. أدين وتم تهميش دوره وانتقل من صفوف المقررين الاول الى المتفرج المشكوك بأمر ادارته المالية للبلد.

كان اول نقد وجه اليه تحرره من قوانين المحاسبة وقد بات شريكاً فعلياً في الحكم، لا يسأل عن ميزانية المصرف المركزي. وكيف لا يكون كذلك وهو يشكل خزان أسرار السياسيين المالي، والعالم بحساباتهم والخبير بما اقترفته أيديهم لناحية نهب المال العام والصفقات والسمسرات. كان قانون النقد والتسليف الذي أقر في عهد الرئيس فؤاد شهاب كفيلاً بتأمين استقلالية المركزي وسياسته النقدية. منذ تعيينه العام 1993 لم يخضع الحاكم ومجلسه المركزي للمساءلة امام مجلس النواب ولا خضعت سياسته للمراجعة رغم كل اتهامات الخبراء بكونه كان سبباً مباشراً للخسارات المالية المتراكمة، نتيجة الفوائد المرتفعة جداً التي يدفعها مصرف لبنان للمصارف والهندسات المالية التي فاقمت الازمة المالية أخيراً. علماً ان الحاكم المركزي السابق ادمون نعيم، ذهب في زمن الحرب وخلال ولايته 3 مرّات إلى المجلس النيابي ليسأل في السياسة النقدية للبلد.

ليس من الواضح اليوم أن الأمور قد تصل الى حد مساءلة الحاكم ولكنه إجراء حكومي يمكن أن يفهم كهزة عصا سياسية لإفهام حاكم البنك المركزي انك لم تعد كما كنت، شريكاً في السلطة السياسية وجزءاً من المنظومة. يشير تعاطي السلطة الراهنة مع الحاكم من اعلى الهرم إلى أن الامر لو عاد اليه لتم تغيير الحاكم الذي يحظى منذ زمن بعيد بصلاحيات استثنائية، لكن هل المطلوب تغيير رياض سلامة فعلاً؟

لم يجد المطلعون على سياسة حاكم مصرف لبنان ما يبرر خطوة الحكومة. فاذا كان المقصود الضغط عليه بحجة انه لم يسلم المعنيين الأرقام المالية الصحيحة، فهذه الأرقام سبق وسلمها الى رئيس الحكومة وتمت مناقشتها في اجتماع في بعبدا بحضور رئيس الجمهورية قبل شهر ونصف الشهر، وأودع وزير المال نسخة عنها كما نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر عدرا، والتي استفسرت مرتين عن بعض الارقام وجاءتها الاجابة، فضلاً عن وجود مدققين ماليين دوليين مطلعين على هذه الارقام.

يستغرب المحيطون بالحاكم حملة التشهير بشخصه، وتحميله مسؤولية الاموال بعد صرفها، فهل يسأل عن مبلغ الـ 35 ملياراً الذي استدانته الدولة بدل استيراد البترول ومن المسؤول عن صرفها؟ المصرف المركزي؟ وهل ان السياسة النقدية مناطة بالمصرف المركزي وهي لا تشكل الا جزءاً بسيطاً من المالية العامة؟ وهل مصرف لبنان بات مسؤولاً عن الهدر والمناقصات وعن الاملاك البحرية؟

هي معركة سياسية بامتياز يرى البعض أنها على صلة بملفات أخرى ليست انتخابات رئاسة الجمهورية سوى واحد منها، بينما يؤكد أكثر من مصدر حكومي ان المطلوب اليوم تغيير سلوك رياض سلامة وتطويعه وليس تغيير شخصه.


MISS 3