لعنة "كوفيد" مستمرة

02 : 00

قد تميل إلى فحص عينيك لحماية نظرك أو تخضع لاختبار سَمَع سنوياً للتحقق من صحة أذنيك، لكن هل تهتم يوماً بحماية أنفك؟ بعدما أصيب عدد كبير من الناس بخلل في حاسة الشم بسبب فيروس «كوفيد - 19»، بدأنا نقدّر أهمية هذه الحاسة «المنسيّة» ونقتنع بضرورة الاعتناء بها والحفاظ على سلامتها.



أدركت جوان هورت، بعد ثلاثة أيام فقط على إصابتها بفيروس كورونا في أيلول 2022، أنها خسرت حاسة الشم عندما عجزت عن تذوق عصير البرتقال. تقول هذه الأستاذة الأكاديمية من مدينة «بالمرستون نورث» في نيوزيلندا: «شعرتُ بالهلع وبدأتُ أحاول شمّ عطري، لكني عجزتُ عن ذلك». أصبحت تجربة هورت قصة شائعة اليوم، لكن تختلف حكايتها لأنها لا تقوم بعمل اعتيادي. هي أستاذة في جامعة «ماسي» في نيوزيلندا وتعمل في مجال الإدراك الحسي، ما يعني أن حاسة الشم لديها أساسية لمتابعة عملها: «كانت فكرة خسارة هذه الحاسة أو تراجع قوتها مرعبة بالنسبة إليّ. بدأتُ أشمّ كل ما أجده من حولي في محاولة مني لاسترجاع حاسة الشم، لكن مرّ أكثر من ستة أشهر قبل أن أستعيدها بالكامل».

تغيّرت حاسة الشم لدى 86% من الذين أصيبوا بفيروس كورونا. في معظم الحالات، تكون المشكلة عابرة. لكن في حالة واحدة من كل خمس، لا تتلاشى المشكلة قبل مرور ستة أشهر على الأقل، لا سيما بعد عمر الأربعين. يقول البروفيسور إيفان رايتر، المدير الطبي في مركز اضطرابات الشم والذوق في جامعة «فرجينيا كومنولث»، في الولايات المتحدة: «إنها نسبة كبيرة، بما أن ملايين الناس أصيبوا بهذه العدوى». كان شيوع مشكلة فقدان الشمّ كفيلاً بتجديد التركيز على حاسة اعتبرها عالِم الأحياء تشارلز داروين يوماً «قليلة المنافع للجنس البشري».

بعد مرور حوالى 150 سنة على انتشار تلك المقولة، نعرف اليوم أن داروين كان مخطئاً جداً. يقول البروفيسور يوجيني رورا من جامعة «كوينزلاند» في أستراليا: «اكتشفت الأبحاث أن أكثر من 600 جينة في جسم الإنسان تتعلق بحاسة الشم، أي ما يساوي حوالى 3% من كامل الجينوم المرتبط بنظام واحد. إنها نسبة هائلة، وهي تثبت أن حاسة الشم لها أهمية كبرى في الجسم».

في المقام الأول، تساعدنا حاسة الشم في البقاء على قيد الحياة عبر تنبيهنا من مخاطر مثل المأكولات الفاسدة أو الحرائق خلال وقتٍ قصير. تصل إشارات الروائح إلى الدماغ خلال 100 أو 150 ميلي ثانية بعد تنشّق الرائحة، وتكشف أبحاث جديدة في السويد أننا نحلل الروائح المزعجة أو الخطيرة بوتيرة أسرع من الروائح الحميدة.

تقول هورت: «تسمح الروائح في الوقت نفسه بإنتاج نكهة المأكولات وقد تتحكم بمجموعة متنوعة من حمياتنا والمغذيات التي نستهلكها. هي ترتبط بالعواطف والذاكرة أيضاً». حتى أنها قد تفسّر سبب انجذاب الناس إلى شركائهم لأننا نستعمل الروائح بطريقة لاواعية لإيجاد شركاء لديهم أجهزة مناعة مختلفة عن مناعتنا.

تنشط حاسة الشم حين تحتك جزيئات الرائحة في الهواء بالأعصاب في بطانة الأنف. ترسل هذه الأعصاب إشارات إلى الجهاز الشمّي، أي الجزء الدماغي الذي يفسّر الروائح، فيُنشّط هذا الأخير الذاكرة لتحديد طبيعة الرائحة: هل هي جميلة، أم سيئة، أم حيادية؟

يشكّل الجهاز الشمّي حوالى 5% من الدماغ البشري، ويبدو أنه يستطيع التمييز بين مليون رائحة مختلفة. يحمل كل إنسان حاسة شمّ فريدة من نوعها، وترتبط قوتها الاستثنائية بجينات موروثة من الأبوين، وهي التي تُحدد طبيعة مستقبلات الروائح (أو أجهزة الاستشعار) في الأنف.

لكن تُحدد عوامل أخرى دقة حاسة الشم لدينا. بشكل عام، تتمتع النساء بحاسة شمّ أقوى من الرجال، وتعني الأضرار الناجمة عن تلوث الهواء أن المقيمين في مدن شديدة التلوث يحملون حاسة شمّ أقل حساسية من المقيمين في المناطق الريفية.

تضيف هورت: «نعرف أيضاً أن حاسة الشم تضعف مع التقدم في السن. وإذا تضرر أنفك بسبب إصابة في الرأس أو مرض معيّن، أو نتيجة تنشّق مادة تُسبب الحساسية، قد تتأثر حاسة الشم سلباً».

لهذا السبب، تُعتبر حماية أنفك من هذه الأضرار أول خطوة للحفاظ على حاسة الشم وتطويرها. تجنّب مثلاً تنشّق الروائح القوية مثل مواد التبييض أو عناصر كيماوية أخرى. وإذا كنت مصاباً بمشكلة طويلة الأمد مثل التهاب الأنف، استشر طبيبك العام لتلقي بخاخ أنف قد يساعدك على إخماد الالتهاب. في المرحلة اللاحقة، احرص على تشغيل أنفك باستمرار. يقول رورا: «حاسة الشم تشبه العضلات. يمكنك أن تُدرّبها إذاً لزيادة قوتها عبر تشغيلها».

لتدريب حاسّة الشمّ طبِّق الخطوات التالية

حوّل الشمّ إلى حاسة أساسية: على مر اليوم، نميل إلى التركيز على حواس أخرى مثل الذوق أو النظر، لكن ابدأ باستعمال حاسة الشم بالدرجة نفسها أيضاً. تنشّق رائحة الفاكهة والخضار لتحديد مدى نضجها قبل شرائها مثلاً، أو ركّز على خليط الروائح في العطر الذي تستعمله، أو تعرّف على نكهات مختلفة في حديقتك استناداً إلى رائحتها حصراً.

ابحث عن روائح جديدة: كلما اختلفت الروائح التي يحتكّ بها أنفك، ستحصد منافع إضافية. يقوم خبراء الروائح مثلاً بشمّ كل ما يعتبرونه مثيراً للاهتمام.

احرص على تغذية أنفك: على غرار بقية أعضاء الجسم، يحتاج الجهاز الشمّي إلى خليط كافٍ من المغذيات لتقديم أداء مثالي. برزت روابط بين نقص الفيتامين D والفيتامين B12 والزنك وتراجع حاسة الشم. لكن يجب أن تتنبه أيضاً من كمية الدهون المستهلكة. رصدت أبحاث أجرتها جامعة ولاية فلوريدا تراجعاً في حاسة الشم وعدد الخلايا العصبية الشمّية لدى الفئران التي استهلكت حمية غنية بالدهون، مقارنةً بتلك التي استهلكت حمية قليلة الدهون.

حافظ على ترطيب أنفك: للحفاظ على حاسة شمّ سليمة، يجب أن يكون الغشاء المخاطي للأنف في حالة فيزيولوجية جيدة، ويُعتبر الترطيب جزءاً من هذه العملية. لن تتمكن من شمّ الروائح بالشكل المناسب إذا كان أنفك يفتقر إلى الترطيب.


MISS 3