ريتا ابراهيم فريد

في اليوم العالمي لمكافحة التدخين

د. كارلوس نجيم: التدخين ليس حلّا... والوطن بحاجة إلى كلّ الطاقات السليمة

31 أيار 2023

02 : 01

كثيرون يلجأون إلى التدخين هرباً من هموم حياتية وصعوبات، أو بهدف التسلية والبحث عن لذّة معيّنة. ورغم أنّ معظمهم يدرك تماماً أضراره، إلا أنّ الصعوبة تكمن في التخلّي عن هذه العادة. وحيث إنّ منظّمة الصحة العالمية تحتفل في 31 أيار من كل عام باليوم العالمي الذي خصّصته لمكافحة التدخين، تواصلت "نداء الوطن" مع الإختصاصي في الأمراض الصدرية والعناية الفائقة والحساسية والربو الدكتور كارلوس نجيم، الذي أعاد التذكير بمضار التدخين، وقدّم نصائح تساعد على الإقلاع عنه، مشيراً إلى أنّ أفضل طريقة للتوقف هي عدم التدخين من الأساس.

متى يمكن أن نعتبر أنّ عادة التدخين دخلت دائرة الخطر ووصلت الى مرحلة الإدمان؟

النيكوتين الموجود في التبغ هو إحدى المواد الرئيسة التي تسبّب الإدمان. هذه المادة تتحلّل حرارياً أثناء التدخين، وينتج عنها تبعية جسدية خفيفة، مع تبعية نفسية خفيفة وأحياناً قوية. يرتبط امتصاص النيكوتين بعوامل عدة، منها: نوع التبغ، طريقة الاستنشاق، والمشتقات الناتجة عن حريق النيكوتين التي قد تؤدّي دوراً مهماً أيضاً في التسبّب بالإدمان عن طريق تفعيل إفرازات الدوبامين في الدماغ إثر التحفيز الذي يسبّبه النيكوتين. الإدمان على النيكوتين يختلف بين شخص وآخر بطبيعة الحال، لكنّ معدّله المتوسط يبدأ بعد مرور حوالي خمسة أشهر، وفقاً لدراسة كندية. وحين يمتصّه الجسم، يجري في الدم بسرعة ويصل الى الدماغ خلال ثوانٍ. لذلك يشعر المدخّن بالمتعة، وهذه الطريقة السريعة تؤدّي الى الإدمان.

هل الشفاء من إدمان التدخين يحتاج الى علاج صعب ومؤلم مثل علاج إدمان المخدّرات؟

رغم معرفة المدخّن بالأضرار الناتجة عن هذه العادة، إلا أنّ الرغبة في التدخين وسهولة الإستحصال على التبغ من شأنها أن تقف حاجزاً أمام إرادة التوقّف عن التدخين أو الشفاء من الإدمان عليه. مع الإشارة الى أنّ عوارض ما يسمّى بالإنسحاب من النيكوتين هي عموماً أخفّ من تلك المرتبطة بالحشيشة أو المخدّرات. ومن المفترض أن يشكّل ذلك حافزاً مهمّاً للتوقّف.

كطبيب، هل من طرق معيّنة تنصح بها للإقلاع عن التدخين؟

يمكن اتباع أسلوب التأخير، أي حين تأتي الرغبة في تدخين السيجارة، يحاول المدخّن تأخير ذلك لعشر دقائق مثلاً، أو أن يجبر نفسه على الدخول الى مكان يمنع فيه التدخين، فذلك يساعده للسيطرة على هذه الفترة. يمكنه أيضاً إلهاء نفسه بالرياضة أو بالقيام بأنشطة معيّنة أو التوجّه نحو الإسترخاء، كالاستماع الى الموسيقى الهادئة. يمكنه أيضاً تناول الفاكهة أو مضغ علكة، وتذكير نفسه باستمرار بأضرار التدخين.

هناك بدائل علمية وطبية لتخفيف نسبة النيكوتين في الجسم، ربما عن طريق اللصقات، كي يخرج تدريجياً من الجسم من دون أن يتسبّب في ردّة فعل. وهذا يجب أن يتمّ بالتزامن مع إرشادات الطبيب. كما أنّ هناك عيادات خاصة تهتم بتقديم الأدوية والدعم النفسي للتخلص من هذه العادة.

للتذكير: ما أبرز تأثيرات التدخين على القلب والشرايين – الرئتين – الحنجرة، وهل يمكن للتدخين أن يكون سبباً مباشراً لمرض السرطان أم أن الإصابة به تأتي كنتيجة مشتركة مع عوامل أخرى؟

للأسف نحن نشهد ارتفاعاً لنسب التدخين بسبب عوامل مختلفة، أبرزها إجتماعي واقتصادي. كما أنّ النسب لدى النساء تشهد تصاعداً مستمرّاً أيضاً، وخصوصاً النرجيلة. هذه النسب تخطّت الـ40% في بعض المناطق، والأخطر أنها باتت تطال فئات عمرية صغيرة. التدخين يؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على الجهاز التنفّسي ويشكّل انتفاخاً في الرئتين مع مرور السنوات، وقد يؤدّي الى التهابات في الشعب الهوائية. وقد أثبت أنه يزيد احتمال الإصابة بسرطان الرئة. كما أنّه قد يتسبّب بأمراض في القلب وفي الشرايين وضغط الدم، ويرفع من خطر الإصابة بتجلّطات دماغية. وقد يؤدي الى أمراض في الفم والحلق والأوتار الصوتية، قد تكون سرطانية، وأمراض وتلف في الأسنان واللّثة. إضافة الى أنّه يؤثر على الجهاز الهضمي والتناسلي والعصبي، ويؤدي الى قلقٍ وتوتّر وعصبية زائدة. التبغ يحتوي على أكثر من 4000 مادة كيميائية، من ضمنها 250 مادة مضرّة، و50 منها قد ترفع خطر الإصابة بالسرطان بنسب مختلفة. وبالطبع هناك عوامل وراثية مشتركة تأتي من الإستعداد الجيني، إضافة الى العمر وفترة التدخين والتلوّث البيئي.

ماذا عن تأثيرات التدخين غير المباشر، أي التعرّض للدخان في غرفة مغلقة مع أشخاص يدخّنون؟

أثبتت الدراسات أنّ استنشاق دخان السجائر، ومن ضمنها السجائر الإلكترونية، إضافة الى النرجيلة، والوجود في هذه البيئة يشكّل خطراً على المتلقّين مع إحتمال الإصابة بأمراض عدّة، خصوصاً على المرأة الحامل والجنين، وبنسب عالية على الأطفال الموجودين في المكان. مع ازدياد عوارض الحساسية أو الالتهابات في الجهاز التنفّسي. والخطر لا يقتصر على الاستنشاق، بل يشمل أيضاً لمس رواسب غبار التدخين المنتشر في المنزل.

هل من علاقة علمية بين التدخين وخسارة الوزن؟ وهل صحيح أن الإقلاع عنه قد يؤدي الى زيادة الوزن؟

هذا صحيح، حتى لو بدرجة خفيفة. فالقدرة على حرق السعرات الحرارية تزداد بطريقة غير مباشرة أثناء التدخين لأنّ النيكوتين يرفع معدّل الضغط وضربات القلب، ويسرّع حركة المعدة. كما أنّ الشهية على الطعام تنخفض أثناء التدخين، فيتغيّر الإنتظام في تناول الطعام، ويؤدي الى خسارة في الوزن، حتى لو كانت محدودة. لكن ماذا تنفع خسارة الوزن أمام خسارة الصحة؟ من ناحية أخرى، من يتوقّف عن التدخين، فسيحاول التعويض عن ذلك بالإفراط في تناول الطعام، وهذا مرتبط بعاملٍ نفسي. من هُنا، من يريد الإقلاع عن هذه العادة يجب أن يواكب بدعمٍ عاطفي من الأصدقاء أو من إختصاصي تغذية في بعض المراحل.

في اليوم العالمي لمكافحة التدخين، بماذا تنصح جيل الشباب؟

أقول لهم: إذا تابعتم تاريخ التدخين خصوصاً في عصرنا الحالي، فستدركون التأثير المباشر لشركات التبغ على المجتمعات، وبشكلٍ خاص على الفئات الشبابية. فهم يحاولون إقناعكم بأنّ التدخين غير مضرّ بالشكل الذي يتم تصويره، وأنّ الدخان البديل مثل (السيجارة الإلكترونية) خالٍ من النيكوتين، وهذا غير دقيق. كما أنّ التدخين الذي يبدأ من عمر صغير، قد يشكّل باباً لتعاطي الموادّ المخدّرة في المستقبل. وفي الوضع الصعب الذي يمرّ به لبنان، لا يكون الحلّ في اللجوء الى الدخان لتخفيف التوتّر. فالوطن بحاجة الى كلّ الطاقات السليمة لشبابه إضافة الى تركيزهم الكامل. على أمل أن يكون 31 أيار بداية صحية للمجتمع.


MISS 3