رامي الرّيس

تمدّد الشغور وتطبيق القوانين

31 أيار 2023

02 : 00

«الإستقرار» المصطنع في سعر صرف الليرة اللبنانيّة إزاء الدولار الأميركي قد لا يكون مرشحاً للاستمرار في الأسابيع والأشهر القادمة. ببساطة لأنّه ليس مرتكزاً إلى عوامل مدروسة في مناخ من الاستقرار السياسي يمكن البناء عليه، ذلك أنّ أزمات البلاد لا تزال تتوالد يميناً ويساراً وفي كل الاتجاهات.

لعلّ حالة المراوحة السياسيّة التي يشهدها لبنان منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون هي التي تدفع نحو طرح المزيد من التساؤلات حيال المسارات المستقبليّة في البلاد، لا سيّما على المسار النقدي والمالي الذي سيشهد تحولاً كبيراً مع انقضاء ولاية حاكم مصرف لبنان، على ضوء الخلاف حول كيفيّة التعامل مع ملفاته القضائيّة الكثيرة في لبنان وأوروبا.

ثمّة إجراءات طبيعيّة وروتينيّة من المفترض تطبيقها في حالات الشغور الوظيفي وهي واضحة ومحدّدة في القوانين المرعيّة الإجراء، وفي حالة مصرف لبنان يتولى نائب الحاكم الأول الصلاحيّات عن الحاكم المغادر إلى حين تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي الذي لا يجوز أن يتم في حقبة الشغور الرئاسي، وتحديداً أثناء تولي حكومة تصريف الأعمال إدارة شؤون البلاد.

المثال الذي طُبّق في المديريّة العامة للأمن العام لا يزال ماثلاً وحاضراً: أحيل المدير العام السابق إلى التقاعد، وحل محله الضابط الأعلى رتبة، وها هي المؤسسة تسير وفق الخطط المرسومة وتتابع عملها كالمعتاد. لم يحصل أي «خضّة» طائفيّة ومذهبيّة، بل حصل انتقال سلس في مؤسسة حكوميّة هامة لها دورها السياسي والأمني الكبير، وسارت الأمور على ما يرام.

من الممكن، لا بل من الضروري، تطبيق القانون في مصرف لبنان في حال تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة قبل نهاية شهر تموز المقبل. في مطلق الأحوال، حتى لو حلت المعجزة السياسيّة وحصل انتخاب الرئيس العتيد، سيتطلب انطلاق العهد وتشكيل الحكومة الجديدة ونيل الثقة أسابيع عديدة ستتجاوز المهلة الزمنيّة المتوقعة، خصوصاً إذا تكرّرت مع الرئيس الجديد التجارب السابقة في التعطيل والمحاصصة.

أغلب الظن أنّ التجارب المقبلة في العهد الجديد المنتظر ستكون مماثلة للتجارب القديمة وأنّ أي تغيير جدي لن يطرأ على السلوك السياسي لدى العديد من القوى السياسيّة القائم على الانتهازيّة واللهاث خلف المصالح الفئويّة الخاصة. وإذا كان هناك بعض الفوارق التي يمكن لحظها بين رئيس وآخر نتيجة الأسلوب والأولويات والسلوكيّات، إلا أنّ طبيعة النظام السياسي، خصوصاً في بعده الطائفي والمذهبي، لن تتيح الكثير من هوامش المناورة للرئيس الجديد، لا سيّما إذا وقع في نهج الكيديّة كما فعل الرئيس عون الذي أهدر عهده بالكامل في المناكفات والتجاذبات دون طائل.

إذا كان الملف النقدي حساساً إلى درجات عميقة نتيجة مسّه المباشر بمعيشة اللبنانيين وقوتهم اليومي ومداخيلهم المتآكلة، فالملف الأمني لا يقل حساسيّة لأنه يتعلق بالاستقرار الداخلي الذي يبقى الركيزة الأساسيّة لأي دولة مهما تعاظمت مشاكلها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة.

لقد آن أوان الخروج من العصبيّات الطائفيّة والمذهبيّة الضيّقة التي غالباً ما تتحكم بالقرارات الوطنيّة، المصيريّة منها والتفصيليّة أو التافهة، وهي المقاربة التي أدّت إلى تعميق الانقسام السياسي والاجتماعي بشكل ملحوظ الأمر الذي أفسح المجال أمام تقدّم طروحاتٍ انتحاريّة مثل الفدراليّة أو التقسيم، وهي انتعشت بفعل الأداء السيئ للعديد من الجهات السياسيّة التي قلّما اكترثت للواقع القائم بكل مآسيه الدراميّة القاسية.

في ظل صعوبة تحقيق الطموح بانتظام سريع لعمل المؤسسات الدستوريّة، لا مفر من اللجوء إلى ما يتوفر من إجراءات وقوانين وتشريعات التي تلفظ بطبيعتها الفراغ وتنظم حقبات الشغور، طويلة كانت أم قصيرة.


MISS 3