طوني فرنسيس

موازين الداخل وموجباتها

1 حزيران 2023

02 : 00

ليس مفهوماً ولا مقبولاً من الثنائي الشيعي أن يتجاهل أو يستخف بحالة شبه الإجماع المسيحي على مرشح محدد لرئاسة الجمهورية، وأن يواصل لغته الخشبية الاستقوائية في التعامل مع «الشركاء» في الوطن، مصرّاً على إلحاق الجميع بخياره الرئاسي الوحيد غير القابل للنقاش.

مرّ الثنائي بتجربة مماثلة عندما طرح بعض النواب يوماً ترشيح أحدهم إلى منصب رئاسة مجلس النواب لمواجهة مرشح الثنائي الرئيس نبيه بري. قامت القيامة في حينه وانتشرت نظرية مفادها أنّه لا يجوز القفز فوق خيارات غالبية النواب الشيعة، وانتهى الأمر بالتجديد لبري مع عراضات مسلحة ورصاص كثيف قال للجميع إياكم والتفكير ثانية بالتعرّض لمرشح أجمعت عليه طائفته.

لكن احترام الأقوى في طائفته ليس مبدأ للتقيّد به عندما يخرج عن مصالحه. مارس الثنائي، بقيادة «حزب الله»، سياسة إبعاد «الأقوياء» في الطوائف الأخرى بانتظام. وبعد إزاحة رفيق الحريري كان على نجله سعد الحريري أن يدفع ثمن الالغاء والابتعاد، لتنتقل «قيادة» الطائفة من الأقوى إلى الأضعف. وليد جنبلاط، الزعيم الأقوى في طائفته، تعرض لهجمة منهجية مماثلة وصولاً إلى محاولة تحجيمه في الانتخابات النيابية.

لم تحترم هذه السياسة ما تدّعيه لنفسها من تمثيل وجداني لا يمكن تجاوزه، فهي لا تكتفي بمحاولة إلغاء الآخر تصغيراً وإبعاداً، بل تسعى إلى فرض تمثيلها على الطوائف الأخرى، بتحديد من ينطق باسمها ومن يتحدث عنها ويمثلها في هرمية الدولة ومؤسساتها واداراتها.

لا يتناول هذا الكلام مرشحاً رئاسياً محدداً، لكنه يغوص في صلب منطق تعامل «الثنائي» رئاسياً. فما يريده هذا الفريق لنفسه لا يمكنه أن يحجبه عن الآخرين. والآخرون لن يمكنهم الرضوخ إلى ما لا نهاية مهما كانت حساباتهم الآنية.

وما يصح في الداخل ينبغي أن يصح في الخارج. الخارج لا يستطيع أن يلغي قواعد التركيبة اللبنانية لأنّ طرفاً فيها ارتأى قدرة على تغييرها. والخارج لا يمكنه أن يواصل سياسة النصح بضرورة استعجال انتخاب الرئيس والانخراط في إنجاز الإصلاحات، وهو يعرف أنّه يتعامل مع سلطة عصية على الإصلاح يقودها طرف يخطط للاستئثار بكل مواقع الدولة الرئيسية.

قد تكون مجمل هذه الأمور مطروحة أمام القوى الخارجية التي تتابع أوضاع لبنان، والرئيس الفرنسي في مقدمة هذه القوى، فماذا سيفعل أخيراً بعدما سرد له البطريرك الراعي قصة تركيبة مهددة ودولة منحلّة؟


MISS 3