رامي الرّيس

بين الداخل والخارج... واشنطن أمام منعطفات جديدة!

3 حزيران 2023

02 : 01

بايدن إضطرّ إلى إلغاء رحلات خارجية نتيجة تفاقم الأوضاع الداخلية (أ ف ب)

يتزايد النقاش في الدوائر الغربيّة عموماً والأميركيّة خصوصاً عن تراجع الدور الأميركي حول العالم وتنامي نفوذ قوى دوليّة أخرى، تتصدّرها الصين بطبيعة الحال، وتؤثر على المكانة السياسيّة والاقتصاديّة للولايات المتحدة.

وتكرّس هذه النظريات الانقسامات السياسيّة الحادة، وغير المسبوقة، التي يشهدها المجتمع الأميركي على خلفيّة اندلاع الصراع حول الهويّة الأميركيّة والدور العالمي والإقتصاد والتجارة والبيئة والتغيّر المناخي وسوى ذلك من القضايا الساخنة. ويعزّز هذا الإنطباع أيضاً النزاع الكبير بين المعسكرين الجمهوري والديمقراطي ودور النخب السياسيّة داخل وخارج الكونغرس في تأجيجه وتسعيره.

وإذا كان عدد كبير من المحللين يعتبر أن تراجع النفوذ الأميركي في السياسة الدوليّة يتصل مباشرة بحالة الإرباك في ملفات السياسة الخارجيّة التي تعيشها إدارة بايدن، وهذا صحيح إلى حد بعيد، إلّا أن الصحيح أيضاً أن جانباً من هذا الإرباك مرده حالة «الدراما الديمقراطيّة» التي تعيشها البلاد كما يصفها البعض.

لا شك أنه لا يمكن التقليل من حجم تأثير الخلافات والانقسامات الداخليّة على السياسة الخارجيّة. الرئيس الأميركي جو بايدن اضطر لإلغاء رحلات خارجيّة نتيجة تفاقم الأوضاع الداخليّة كأزمة الديون والماليّة العامة.

ففي الوقت الذي كان من المفترض بواشنطن أن تقود حركة سياسيّة مع عدد من حلفائها في بقع جغرافيّة مختلفة من العالم، كان الرئيس الأميركي منهمكاً في معالجة القضايا الداخليّة الساخنة التي أرخت بثقلها على المشهد برمته وكبّلت من حركة الإدارة الأميركيّة وحركتها على الصعيد الدولي.

بطبيعة الحال، لا يمكن حصر أسباب التراجع الأميركي إلى هذا المعطى الداخلي دون سواه، ولكنه عامل مؤثر إلى حد بعيد. ثمّة عناصر أخرى تفرض نفسها في السياسة الدوليّة منها القوّة الصينيّة المتزايدة على مختلف الصعد والتي لم يعد بإمكان واشنطن إشاحة النظر عنها أو إهمالها.

كما أن تجميع بعض الدول المتوسطة الحجم لجهودها لا يمكن أيضاً التقليل من أهميته وتأثيره على الساحة الدوليّة في إطار السعي إلى إنتاج موازين قوى جديدة. فإنه الحراك الذي يوحي أن عصر الآحاديّة قد انتهى وأن أطر المواجهة السياسيّة والاقتصاديّة باتت تتخّذ أشكالاً عديدة ومتنوعة.

لقد شكل الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني 2021 منعطفاً سياسيّاً هاماً لأنه عكس عمق الترهل المؤسساتي الأميركي وأعطى الانطباع بأن التفاخر الإعلامي وغير الإعلامي بعراقة الديمقراطيّة الأميركيّة وتجذرها في الحياة الوطنيّة والسياسيّة والدستوريّة، إنما هو قيد التآكل بسبب عمق الانقسامات وهشاشة الحلول للمشاكل المتراكمة التي تتسع دائرتها بفعل المقاربات المختلفة، لا بل المتناقضة، للقضايا المختلفة.

وإذا كانت هذه التشوهات قد بدأت تظهر إلى العلن في الآونة الأخيرة، إلا أن ثمّة إشكاليّات تفرض نفسها على المشهد السياسي الأميركي منذ سنوات طويلة تتصل بآليات عمل مجموعات الضغط في الكونغرس والمؤسسات الدستوريّة الأخرى، والتي يصل نفوذ بعضها إلى تأثير كبير في مجريات السياسة الأميركيّة، لا سيّما السياسة الخارجيّة.

وليس هناك من مبالغة في القول إن تأثير مجموعات الضغط الصهيونيّة في واشنطن تفوق بقوتها وتأثيرها أدوار مجموعات الضغط الأخرى قاطبة، إلى درجة أن السياسة الأميركيّة تتماهى بشكل كامل مع مصالح إسرائيل بحيث تتراجع الولايات المتحدة عن كل الشعارات التي ترفعها حول العدالة والديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان عندما يتصل الأمر بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فتوفر الغطاء لتل أبيب لمواصلة سياساتها العدوانيّة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ولا تتوانى عن سحب ورقة الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع إدانتها في أي قضيّة من القضايا حتى ولو كان واضحاً تورطها فيها.

بين الداخل والخارج، واشنطن أمام منعطفات جديدة!


MISS 3