الموجات الصوتية تُسهّل وصول أدوية العلاج الكيماوي إلى الأورام في عمق الدماغ

02 : 00

الدماغ قلعة الجسم، وهو يحظى بحماية خندق شبه منيع يُعرَف بالحاجز الدموي الدماغي. تحاول هذه القلعة من الخلايا الحدودية أن تضمن استمرار تدفق السموم ومسببات الأمراض في بقية أعضاء الجسم، بعيداً عن الأنسجة الحساسة التي تتخذ قرارات مصيرية بشأن الوظائف الجسدية. لكنّ الآلية التي تجعل الدماغ يُعطّل المواد الدخيلة تميل أيضاً إلى إعاقة الأدوية المُكلّفة بمساعدتنا على الشفاء للأسف، ما يجعل ذلك الحاجز سيفاً ذا حدَّين على مستوى معالجة أمراض مثل سرطان الدماغ.

طوال سنوات، حاول العلماء إيجاد طريقة فاعلة لجعل الأدوية تخترق الحاجز الدموي الدماغي، وقد كشفوا في العام 2014 مساراً داخلياً يسمح بالوصول إلى أول دماغ بشري عبر استعمال الموجات الصوتية.

من خلال استخدام التقنية نفسها، تفتح التجربة العيادية الجديدة المجال أمام إيصال نوعَين قويَين من أدوية العلاج الكيماوي إلى داخل الدماغ.

بعد تلقي العلاج، زادت كمية أدوية السرطان التي تدفقت عبر النسيج العصبي لدى المرضى أكثر مما يحصل في الحالات العادية بأربع إلى ست مرات.

أصبحت المرحلة الثانية من التجربة العيادية قيد التنفيذ لاستكشاف طريقة تأثير تلك الأدوية على صحة المصابين بورم أرومي دبقي وفرص نجاتهم. يشير هذا الورم إلى شكل عدائي وسريع الانتشار من سرطان دماغي لا علاج له حتى الآن. يقول جراح الأعصاب آدم سونابيند من جامعة «نورث وسترن»: «إنه تقدم هائل بالنسبة إلى المصابين بالأورام الأرومية الدبقية».

شملت المرحلة الأولى من التجربة العيادية 17 مشاركاً مصاباً بورم أرومي دبقي متكرر، وقد خضع هؤلاء للجراحة لاستئصال أورامهم. خلال الجراحة، زرع العلماء جهازاً عاملاً بالموجات فوق الصوتية من إنتاج شركة فرنسية للتكنولوجيا الحيوية في أدمغة المرضى.

كان كل جهاز يطلق نبضاً خفيفاً من الموجات فوق الصوتية كل ثلاثة أسابيع، طوال فترة تراوحت بين شهرَين وأربعة أشهر. في الوقت نفسه، تلقى المريض وهو مستيقظ حقنة من الفقاعات الدقيقة في الوريد. احتاجت هذه العملية كلها إلى أربع دقائق تقريباً.

عند صعق الفقاعات الدقيقة في مجرى الدم بدفعة من الموجات فوق الصوتية، بدأت تهتز وتمكنت من التسلل عبر الحاجز الدموي الدماغي.

بعد تلقي جرعة من العلاج بالموجات فوق الصوتية، استنتجت دراسات حيوانية سابقة أن أجزاءً من الحاجز الدموي الدماغي قد تبقى «مفتوحة» طوال ست ساعات تقريباً قبل انغلاقها مجدداً. لكن تكشف التجربة العيادية الجديدة أن هذه الفسحة تبقى أصغر مما كنا نظن.

يقول سونابيند وزملاؤه إن قابلية اختراق الحاجز الدموي الدماغي تتجدد بشكلٍ شبه كامل خلال ساعة، ما يعني ضرورة أن تتنقل الأدوية في مجرى الدم خلال تلك الفترة الزمنية كي تعطي الأثر المنشود.

في التجربة العيادية الأخيرة، أعطى العلماء نوعَين مختلفَين من أدوية العلاج الكيماوي خلال تلك المدة: الباكليتاكسيل والكاربوبلاتين.

لا يستطيع أي دواء منهما اختراق الحاجز الدموي الدماغي في العادة، لكنهما يُعتبران علاجَين أقوى بكثير من الأدوية التي تستطيع اختراق عمق الدماغ، لذا يتم استعمالهما لمعالجة سرطان الدماغ. استنتجت تجارب عيادية سابقة أن العلاج بالموجات فوق الصوتية آمن ويستطيع المرضى تحمّله بلا مشكلة، لكن تكشف التجربة الأخيرة للمرة الأولى أن هذه العملية تؤدي مباشرةً إلى زيادة بارزة في كمية أدوية العلاج الكيماوي التي تصل إلى الدماغ.

تمكن الباحثون من استهداف جزء واسع من الحاجز الدموي الدماغي عبر استعمال جهاز أكبر حجماً، مع أن المرضى واجهوا بعد هذه العملية بعض الآثار الجانبية العابرة مثل الصداع، وضعف الأطراف، وتشوش الرؤية. تحتاج هذه الأعراض إلى التدقيق في الدراسات المستقبلية إذا زادت الجرعات المستعملة أو توسّعت دورات العلاج.

يضيف سونابيند: «نحن ركّزنا في دراستنا على سرطان الدماغ (إنه السبب الكامن وراء 30 ألف حالة من الأورام الدبقية في الولايات المتحدة)، لكن تفتح الدراسة المجال أمام استكشاف علاجات جديدة تقوم على استعمال الأدوية لصالح ملايين المصابين بأمراض دماغية متنوعة».

لطالما كان اختراق الدماغ هدفاً طبياً شائكاً، لكن يستعد العلماء لتحقيق هذا الإنجاز بطريقة غير مسبوقة اليوم. نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «ذا لانسيت» لعلم الأورام.


MISS 3