حسان الزين

الحزبية وثقافتها في لبنان

3 حزيران 2023

02 : 00

ما زالت الحزبية وثقافتها في لبنان محكومتين بالهوية: الطائفة أو العقيدة.

وإن كان ذلك واضحاً في "الأيّام العاديّة"، إلّا أنّه ينكشف في الأزمات إذ تخفق الحزبية الهويّاتية في المعالجة وينفضح قصورها. فتلك الحزبية، بحكم كونها هويّاتية، لا تضع برامج وسياسات. ولعلّها عاجزة عن ذلك لكونها فئوية. وأمّا السياسة الوطنية فوقف على توافق الأحزاب، وهذا ينتظر تعليمات ومناخات خارجية.

لهذا، وبدلاً من أن تتصدّى الأحزاب للأزمات ومعالجة أسبابها، تراها تنتظر خلاصاً يأتي من الخارج، وبدلاً من تقديم برامج وسياسات تكرّر ما لديها من شعارات ومطالب وانتقادات لـ"الآخر".

وإذ لا تولي الأحزابُ الاقتصادَ أهمية ولا تُنتج مشاريع ولا تقدم رؤى وآراء وما إلى ذلك، تراها معنيّة في "مجتمعاتها" من باب العصبيّة والرعاية والخدمات والمصالح والمزايدات الشعبوية عند الحاجة. فهذه الحزبية المشغولة بالغرائز القبلية والغلبة، طوّرت نفسها في الصراع والحروب لتستجيب لمتغيرات الوجود وقواعد اللعبة. وقد زاوجت ما بين المنفعة الجماعية والمنفعة الخاصّة. ولو لم تتكيّف وتوفّر المنفعتين لما بِيعت بضاعتها في لبنان.

إن ذلك قمّة ما يمكن أن تعطيه الحزبية الهويّاتية في الوقت الحالي. قواعد اللعبة الطائفيّة في لبنان تمنع أيَّ فريق لوحده من إنتاج برامج وسياسات وطنية. القواعد الراسية الآن تقتضي توافق الأحزاب السلطوية، وربّما إجماعها. "كلّن يعني كلّن". غير ذلك تعطيل ومراوحة وأزمات... وربما حروب.

لقد استطاعت الحزبيّة الطائفيّة أن تتغلّب على الحزبية العقائدية. فالتشكيلات الإيديولوجيّة، التي ولدت في القرن العشرين امتداداً لتيّارات فكرية وسياسية في العالم (الشيوعية والاشتراكية والعلمانية والقومية)، لم تنجح في امتحان المنفعة وتوفيرها، وإن انضمّت إلى الحزبيّة الهويّاتية والثقافة القبلية. فامتحان المنفعة كان يقتضي أن تسيطر تلك الأحزاب على الحكم، أو تدخل في النظام وتغدو شريكاً في تسخير الدولة. وهو ما سعت إليه، لكنّها لم تفلح في حجز مكان لها (باستثناء من دعمه الراعي الخارجي)، فتهشّمت وتهمّشت. علما أن هناك عوامل عديدة تسببت في انحسارها.

النتيجة، أنّ الحزبيّة عموماً، الطائفيّة والعقائدية، في لبنان، ما زالت هويّاتية وقبليّة تغالبيّة ونفعية تطلّبية للذات فقط لا غير. وهي أحد تجلّيات لبنان النظام الدولي لا الدولة، لبنان الغلبة لا المؤسسات، لبنان صراع الحزبيّات لا المواطنة وقيمة الإنسان ولا الطمأنينة والاستقرار.

وهذا ما لا أفق للبنان، ولا خروج ممّا هو فيه، إلا بتجاوزه. لا بدّ من مواجهة هذه الثقافة بثقافة سياسيّة تقوم على البرامج والسياسات. ثقافة يختارها المواطن والمواطِنة ولا يرثها ولا ترثها من الآباء والأجداد. ثقافة تحترم الهويّات وتنظّم وجودها وتعبيراتها وتفاعلاتها، وفي الوقت نفسه تحترم الدولة والمواطن - المواطِنة وتنظم وجودهما وتعبيراتهما وتفاعلاتهما. ثقافة تقدّم المصلحة الوطنية والتبادل على التطلبية القبلية والغلبة والأخذ.

أمّا ذلك فيكون بتشكيلات سياسية من نوع جديد، مؤسّسية في إدارتها وإنتاجها البرامج والسياسات، ديمقراطية في هيكلها وتنظيم عملها، وطنية في مبادئها، ومواطنية - إنسانية في قيمها وسلوكها، سلمية في منهجها.

هذا من شروط المبادرة نحو الأفضل. وغير ذلك سيبقى لبنان حيث هو، في ما هو، بل ستزداد الأمور سوءاً.


MISS 3