عبده جميل غصوب

قراءة قانونية لقرار المجلس الدستوري القاضي برد الطعن بالتمديد للبلديات

5 حزيران 2023

11 : 41

إستهل المجلس الدستوري قراره (المنشور في العدد 17 من الجريدة الرسمية تاريخ 2/4/2023) بإطلاق مبدأ عام مفاده ان رقابته لا تقتصر فقط على ما أثير في الطعون، بل تمتد ، بمجرد تسجيل الطعن ووضع يده عليه، الى كل ما يشوب القانون من مخالفات دستورية ليرتب عليها النتائج، دون ان يكون مقيدا بالاسباب التي استند اليها الطاعنون، او بحرفية مطالبهم . ثم انتقل الى بحث الطعون في ثلاث محطات قانونية هامة هي الآتية:



جواز التشريع في ظل المادة 75 من الدستور (اولا)، ثم تكريس نظرية الشرعية الاستثنائية (ثانيا)، لينتهي الى اطلاق نظرية دستورية في غاية الاهمية وهي تغليب مبدأ استمرارية المرافق العامة والحفاظ على مصلحة البلاد العليا والانتظام العام على مخالفة احكام الدستور (ثالثا).



اولا: جواز التشريع في ظل المادة 75 من الدستور:


تنص المادة 75 من الدستور " ان المجلس النيابي الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة او اي عمل آخر".


جاء في تفسير المجلس للمادة المذكورة ما يلي:



يقتضي معرفة ما اذا كان تفسير هذا النص يوجب اقتصار عمل مجلس النواب، خلال فترة شغور مركز رئاسة الجمهورية على انتخاب الرئيس الجديد حصرا، ولو طالت فترة الشغور، ام ان باستطاعته القيام بالاعمال الاخرى الداخلة ضمن اختصاصه وتحديدا التشريع ؟

أجاب المجلس الدستوري بأن النصوص الدستورية والقانونية على السواء، تكون متممة لبعضها البعض دون اي تناقض فيما بينها. ويجب ان تفسّر في هذا الاتجاه وبشكل يؤدي الى اعمالها كلها وليس الى تعطيل بعضها للبعض الآخر. وان المادة 75 جاءت مكملة للمادتين 73 و74 من الدستور اذ توجب الاولى منهما على المجلس النيابي ، اذا لم يدع للاجتماع لانتخاب رئيس للجمهورية قبل موعد انتهاء الولاية بشهر على الاقل وشهرين على الاكثر، ان يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق ذلك الموعد. وتوجب الثانية على المجلس النيابي ايضا، في حال خلو سدة الرئاسة لاي سبب كان، ان يجتمع فورا، اي انه يجوز له ، بل من واجبه ان يجتمع ، ولو كان ذلك خارج الدورات العادية التي يحق له فيها التشريع.



يتابع المجلس الدستوري انه لو كان بنيّة المشترع الدستوري حصر عمل المجلس النيابي، في فترة الشغور الرئاسي، بانتخاب الرئيس بدون اي عمل آخر، لاستعمل عبارات آمرة في هذا الاتجاه، كما ذهب اليه في كثير من النصوص، او لنص على ذلك صراحة كاعتماد عبارة " عند خلو سدة الرئاسة يصبح مجلس النواب هيئة ناخبة. ولا يحق له القيام باي عمل آخر قبل انتخاب رئيس الجمهورية".



ويضيف المجلس الدستوري، ان الغاية من المادة 75 هي اعطاء الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية وحثّ المجلس على الاسراع في هذا الانتخاب ومنعه من القيام باي عمل آخر او مناقشة في الجلسة المخصصة للانتخاب.


اما الشؤون العامة الاخرى الداخلة في اختصاص مجلس النواب، فيمكن عرضها في جلسات أخرى لطرحها ومناقشتها وأخذ القرارات بشأنها.



ويتابع المجلس الدستوري ان الذهاب بعكس ذلك، يؤدي الى سيطرة الحكومة على كل شؤون البلاد والاخلال بالتوازن بين السلطات ويوقف عجلة التشريع في امور الناس اليومية الضرورية والملحة. ويلحق ضرراً بمصلحة البلاد العليا، خصوصا عندما تطول فترة الشغور الرئاسي. وان استقلال السلطات عن بعضها يوجب عليها الاستمرار في ممارسة صلاحياتها الدستورية، بقدر ما تسمح لها الظروف السياسية. واذا كانت السلطة التنفيذية مشلولة بسبب خلو سدة الرئاسة، فهذا لا يجب ان يحول دون عمل السلطة التشريعية. هذا علما بأنه لا يجب استسهال التشريع في ظل الفراغ الرئاسي، بل يجب الاسراع في انتخاب الرئيس نظرا لاهمية موقع رئاسة الجمهورية. وانتهى المجلس الدستوري الى القضاء بجواز التشريع في ظل احكام المادة 75 من الدستور ورد كل ما أدلي به خلاف ذلك.



ان المجلس الدستوري فسّر المادة 75 من الدستور بصورة صحيحة متفقة مع القواعد التي تحكم منهجية تفسير النصوص القانونية للاسباب التالية:



1 ـ لان نص المادة 75 واضح وصريح لجهة اقتصاره على دور المجلس النيابي الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية، اذ يجب عليه في هذه الحالة الشروع حالا في عملية الانتخاب دون اي عمل آخر، لان المجلس النيابي، في الجلسة المذكورة، يكون هيئة انتخابية وليس هيئة تشريعية. هذا ما ينهض من صياغة المادة 75 بعبارات واضحة وصريحة لا لبس فيها.


2 ـ لانه لا يوجد اي مبرر لتعطيل العمل التشريعي للمجلس النيابي في ظل خلو سدة الرئاسة ! فالعلاج يكون بالاسراع بانتخاب رئيس وليس بشل المجلس النيابي.


3 ـ لان مبدأ فصل السلطات يحول دون تأثر المجلس النيابي بالفراغ الرئاسي.


4 ـ لان آلية اصدار القوانين ليست معطلة اطلاقا بوجود نص المادة 62 من الدستور التي تنص ان صلاحيات الرئاسة تمارس وكالة من قبل مجلس الوزراء.


5 ـ لان شلل المجلس النيابي وتحويله فقط الى هيئة انتخابية طيلة فترة الشغور الرئاسي، هو نتيجة تفسير قسري forçage des textes، بل تعسفي للنصوص القانونية الواضحة والصريحة، وتعطيل لبعضها، بدون اي مبرر منطقي او قانوني، بل فقط لتكريس فكرة انه لا تشريع بغياب رئيس الجمهورية ! وهي في الحقيقة ليست فكرة بل "بدعة " سياسية بعيدة كل البعد عن طرق تفسير النصوص القانونية واعطائها مدلولها الصحيح.




ثانيا: تكريس نظرية " الشرعية الاستثنائية":


جاء في قرار المجلس الدستوري، انه اذا كان يعود للمشترع تحديد مدة الولاية الانتخابية لان وضع الانظمة الانتخابية النيابية او المحلية يدخل في اختصاصه، فهو لا يستطيع تعديل مدة الولاية الجارية الا لاسباب مستمدة من ضرورات قصوى وفي حدود المدة التي تستدعيها هذه الضرورات؛ اي انه في حال وجود ظروف استثنائية تتولد شرعية استثنائية، فيجوز للمشترع مخالفة احكام الدستور والمبادىء الدستورية او القواعد ذات القيمة الدستورية، حفاظا على النظام العام او ضمانا لاستمرار سير المرافق العامة وصونا لمصالح البلاد العليا، التي لا يعود بالامكان صيانتها من خلال القوانين العادية.



وهنا أقر المجلس الدستوري انه وإن كان للمشترع وحده تقدير وجود الظروف الاستثنائية التي تتطلب منه سن قوانين غير متفقة مع احكام الدستور، محددة في الزمان، فان ممارسته لهذا الحق تبقى خاضعة لمراقبة المجلس الدستوري. ثم انطلق المجلس الدستوري الى بحث مدى توافر تلك الظروف وبالتالي ترتيب النتيجة بالنسبة لدستورية او عدم دستورية القانون، في ضوء ذلك. واضاف بان القانون المطعون فيه مدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى تاريخ اقصاه 31/5/2024 مبررا ذلك بقلة عدد المرشحين وانتفاء الحملات الانتخابية وبعدم ضمان حضور الموظفين ورؤساء الاقلام والقضاة ولجان القيد، ما يشكل عائقا امام اجراء الانتخابات، وفراغ صناديق البلديات . وانه ليس باستطاعة المرشحين تحمل التكاليف الانتخابية وارتفاع سعر الدولار وعدم افراج المصارف عن الودائع، ما ينعكس سلبا على سير العملية الانتخابية. وان البلديات مفلسة وليس لديها امواله الخ. وتابع المجلس الدستوري انه علّق بتاريخ 2/5/2023 مفعول القانون المطعون فيه بغية حث الحكومة على اجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة ولكن دون جدوى ! اما لانها استنكفت عن ذلك واما لانها عاجزة عنه. ولكن، يضيف المجلس الدستوري، فان تقاعس الادارة عن اجراء الانتخابات، لا يبرر تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية. ولكننا بتنا امام امر واقع، علما بأنه كان بامكان المجلس النيابي اللجوء الى تمديد تقني لفترة معقولة وقصيرة ولكنه لم يفعل.



ولكن وهنا المهم، قال المجلس الدستوري انه لا يحق له ان يحل ذاته محل المشترع في تقدير ملاءمة التشريع وغايته. ولكنه يعود له إعمال رقابته للتأكد من عدم حصول تجاوز للحريات والحقوق الاساسية. واضاف ان القانون المطعون فيه بتمديده ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى تاريخ اقصاه 31/5/2024 ، يكون قد ترك للسلطة الادارية وهي وزارة الداخلية تحديد التاريخ الذي تجري خلاله هذه الانتخابات في الوقت الذي تراه. وانه اذا كان يعود للمجلس النيابي تكليف السلطات الادارية بمواضيع تنظيمية، الا ان الامر يختلف في المواضيع المحجوزة بموجب الدستور للقانون. والتي لا يجوز التفويض فيها نظرا لاهميتها ولحرص المشترع الدستوري على الضمانات التي يوفرها القانون. وان ترك المشترع للسلطة الادارية أمرا يدخل في الصلاحية المقررة له في الدستور وهي عدم تحديد موعد دقيق للانتخابات، بل تحديد مدة قصوى لاجرائها وترك حرية تحديد موعدها للسلطة الادارية، يشكل بذاته مخالفة دستورية.



نستخلص من كل ذلك ما يلي:



1ـ ان المجلس الدستوري أقر بنظرية " الشرعية الاستثنائية " في ظل " الظروف الاستثنائية"، مؤكدا بانه يعود للمجلس النيابي استنساب وجود هذه الظروف المولدة للشرعية الاستثنائية. وهو لا يمكنه الحلول محل المجلس النيابي في هذه المهمة، اذ يعود له وحده تقدير وجود ام عدم وجود تلك الظروف المولدة للشرعية الاستثنائية. ولكن ذلك يحصل تحت رقابة المجلس الدستوري.


وهنا أقر المجلس الدستوري وجود ظروف استثنائية مبررة لشرعية استثنائية. ولكنه رفض ترك حرية تحديد موعد الانتخابات للسلطة الادارية عبر تحديد مهلة قصوى لاجرائها، اذ كان يقتضي تحديد ذلك الموعد بصورة دقيقة، لان تحديد موعد الانتخابات محجوز دستوريا للمشترع ، فلا يصح له تفويضه الى السلطة الادارية.



2 ـ أوحى المجلس الدستوري انه كان يقتضي تحديد المهلة من قبل المشترع، وتحديدها خلال فترة قصيرة وليست طويلة الى الحد الذي شاءه.



3 ـ ولكن الاهم من كل ذلك انه لم يرتب اي نتيجة على هذه لمخالفة الدستورية مبررا ذلك بتأمين استمرارية المرافق العامة ذي القيمة الدستورية والحفاظ على مصلحة البلاد العليا التي وضع الدستور من اجلها.



ثالثا: تغليب مبدا استمرارية المرافق العامة والحفاظ على مصلحة البلاد العليا والانتظام العام على مخالفة احكام الدستور:



لا بد من التذكير هنا ان المجلس الدستوري أقر نظرية الظروف الاستثنائية المبررة للشرعية الاستثنائية. وأكد بأنه يعود للمجلس النيابي وحده تقدير وجود ام عدم وجود ظروف استثنائية. لكنه اخضع قرار المجلس النيابي هذا لرقابته، فتبيّن له ان التمديد للمجالس البلدية والاختيارية لمهلة اقصاها 31/5/2024 يشكل تنازلا من السلطة التشريعية للادارة عن حق محجوز دستوريا له، الا وهو تحديد تاريخ اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية. فلا يحق له تفويض هذا الحق للادارة وان كان حق الادارة محصور في فترة زمنية محددة اقصاها 24/5/2024 ، اذ كان واجبا عليه تحديد تاريخ دقيق. وهذا ما يشكل مخالفة دستورية. كان ينبغي في المبدأ ان تؤدي الى ابطال القانون المطعون فيه لمخالفته الدستور. لكن المجلس الدستوري ذهب أبعد من الابطال الى ما هو أهم من الدستور ، وهي مصلحة البلاد العليا التي تتأمن باستمرار سير المرافق العامة وصون مصالح البلاد العليا. ففي حال وجود ظروف استثنائية تتولد شرعية استثنائية. ولكن كل ذلك يبقى تحت رقابة المجلس الدستوري. واذا كان لا يمكن لهذا الاخير ان يحل محل المجلس النيابي في تقرير استنسابية التشريع، فانه بالمقابل يجب عليه اجراء رقابته على هذه الاستنسابية.



قال المجلس الدستوري انه كان بامكان المجلس النيابي ان يلجأ الى تمديد تقني لفترة قصيرة ومعقولة ( اقل من سنة ) لكنه لم يفعل.



وانه كان على المجلس الدستوري تقدير مدى جدية وصوابية الظروف الاستثنائية وحالة الضرورة المفضية الى تأجيل موعد انتخابات المجالس البلدية والاختيارية. ولكن ذلك لم يعد بوسعه، طالما تعطلت انتخابات تلك المجالس فعلا وواقعا. ونظرا للفراغ في المجالس البلدية والاختيارية الذي سينشأ عن ابطال القانون، مع ما للمجالس الاختيارية من مهام اساسية وضرورية تتعلق بحياة المواطنين ، لا يمكن لاي مرجع القيام بها. وبسبب الواقع الحالي للبلاد ومع انقضاء جميع مواعيد الانتخابات دون اجرائها وانقضاء مدة ولاية المجالس البلدية والاختيارية، التي لم يبق منها الا يوما واحدا، يستحيل فيه انجاز تشريع بديل، يتجنب المخالفات التي اعترت القانون التمديدي المطعون فيه. كما ان تقصير مدة القانون التمديدي المطعون فيه يخرج عن صلاحيات المجلس الدستوري الذي لا يسعه ان يحل ذاته محل المجلس النيابي، فقد رأى المجلس الدستوري انه يقتضي اتخاذ اجراءات استثنائية بغية الحفاظ على النظام العام في البلاد المتمثل باستمرار المرافق العامة ذي القيمة الدستورية، صونا لمصالح البلاد العليا، التي لا يعود بالامكان صيانتها من خلال القوانين العادية، مغلبا في ذلك، مصلحة البلاد العليا على عدم التقيد باحكام الدستور.



نستخلص من ذلك ما يلي:


1 ـ أقر المجلس الدستوري بان الادارة لم تجر الانتخابات المحلية بالرغم من وقف تنفيذ القانون المطعون فيه، ما يشكل تقاعساً منها.



2 ـ كما أقر حق المجلس النيابي باستنسابية التمديد للمجالس البلدية والاختيارية. وبأنه لا يسوغ له الحلول مكان المجلس النيابي في تقرير هذه الاستنسابية. لكنه أقر بأن من صلاحيته مراقبة مدى انطباق هذه الاستنسابية على احكام الدستور.



3 ـ أقر المجلس الدستوري ان التمديد للمجالس البلدية والاختيارية يعود للمجلس النيابي. وان الظروف الاستثنائية التي يعود للمجلس النيابي وحده تقريرها، هي التي تبرر ذلك، شرط الا تكون مخالفة لاحكام الدستور.



4 ـ أقر المجلس الدستوري ان مخالفة الدستور لا تكمن في التمديد للمجالس البلدية والاختيارية بل في عدم تحديد موعد لاجراء الانتخابات المحلية، وترك هذا الامر للادارة عبر الاكتفاء بتحديد مهلة قصوى لها لاجرائها. وكان يقتضي تحديد موعد لاجرائها ( الافضل ان يكون قريبا ) وليس تجيير هذه الصلاحية المحجوزة له دستوريا الى الادارة. وهنا تكمن المخالفة الدستورية، فاذا كانت الظروف الاستثنائية تبرر التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، فانها لا تبرر ترك تحديد تاريخ اجراء الانتخابات بشأنها للادارة، في حين انها محجوزة دستوريا للمجلس النيابي. وهذا ما يشكل خرقا للدستور يبرر ابطال القانون المطعون فيه، لولا الحرص على استمرارية المرافق العامة ذات القيمة الدستورية ومصلحة البلاد العليا.



5 ـ بين خرق الدستور لجهة عدم تحديد موعد محدد لاجراء الانتخابات المحلية وبين مصلحة البلاد العليا التي تتأمن باستمرار المرافق العامة، اختار المجلس الدستوري عدم ابطال القانون المطعون فيه، خصوصا وان الابطال اذا كان جائز التعويض ولو بنسبة ضئيلة في مجال المجالس البلدية، حيث تحل محلها السلطة الادارية المتمثلة بالمحافظ او القائمقام، فان الامر يختلف في المجالس الاختيارية، حيث ان لا بديل اداري عن المخاتير الذين ينظمون الوثائق الرسمية بدءا من الولادات وانتهاء بالوفيات مرورا بالزيجات الخ.



6 ـ اراد المجلس الدستوري ان يقول للجميع : ان الانسان اهم من النصوص. فالنصوص مهما علا شأنها هي لخدمة الانسان وليس العكس. وهو في ذلك متماشٍ مع احدث الافكار القانونية التي باتت تعتبر الفرد ( الانسان ) هدف التشريع. ففي العصور السابقة كان الهدف من التشريع حماية المجتمع وليس الفرد، ولكن الفكرة تبدلت كليا واصبح اليوم الفرد هو الهدف، وليس المجتمع. فكل النصوص تسقط امام مصلحة الفرد. الانسان اصبح هدف المجتمع والمشترع بات يشّرع للفرد وليس للمجتمع.



7 ـ لم يشأ المجلس الدستوري تغليب النصوص على مصلحة البلاد العليا التي تتأمن باستمرار المرافق العامة ذات القيمة الدستورية. فلم يرد التضحية بمصلحة البلاد العليا المتأمنة باستمرار المرافق العامة ذات القيمة الدستورية، في سبيل نصرة النصوص التشريعية، وان كانت تلك النصوص جزءا من القانون الاسمى الا هو الدستور.



مهما يكن من امر، فقرار المجلس الدستوري جريء ومتقدم ويستأهل احناء الرؤوس امامه، لانه ذهب أبعد من النص الى الانسان. اليس الانسان هو الهدف الاول والاخير من التشريع ؟ والمجلس الدستوري خير من يعلم بأننا لا نعيش ازمة سياسية او تشريعية او حتى ازمة نظام بل أزمة وطن. وازمة الوطن لا تحل بالقرارات القضائية، بل بالبحث عن عقد اجتماعي جديد للبنان. أفلا يكفي ما اصاب اللبنانيين من ويلات حتى نرميهم في فراغ السلطات المحلية !؟



بين الحقيقة والنص، غلّب المجلس الدستوري الاولى على الثانية، مرسيا نهجا جديدا، عصريا وجريئا، متماشيا مع النظرة الحديثة للتشريع، حيث لم يعد المجتمع غاية المشترع بل الانسان داخل المجتمع ؛ افلا يستحق من اهل القانون التهنئة؟ 



* دكتور في الحقوق، بروفسور لدى كليات الحقوق، محام بالاستئناف لدى نقابة المحامين في بيروت، مستشار قانوني في الامارات العربية المتحدة ـ دبي ، خبير قانوني دولي معتمد لدى عدة منظمات قانونية دولية، كاتب قانوني وباحث.


MISS 3