جنى جبّور

"بدايات الصحافة العربية"...كنوز الإعلام في متحف "نابو"

9 حزيران 2023

02 : 01

أمية درغام

يحتضن متحف «نابو» غداً 10 حزيران (حتّى 16 أيلول)، معرض «بدايات الصحافة العربية»، مقدماً نماذج محدودة جداً من القرن التاسع عشر حتّى منتصف القرن العشرين، في المشرق وشمال أفريقيا، كما في المهاجر.عملية الاختيار كانت صعبة، نظراً لكثافة أعداد تلك الصّحف والمجلّات، إلّا انّ المعرض تمكّن من جمع نحو 400 صحيفة من مجموعة الباحث بدري الحاج ومجموعات خاصة أخرى، مشكلاً نوعاً من السجلّ التّاريخي، آملاً تحفيز المؤسّسات الثّقافيّة والتّعليميّة والإعلاميّة العربيّة لتبدأ عملية إنقاذ هذا التّراث الصحافي من الاندثار، وحفظه بوسائل حديثة ليكون في متناول الباحثين، لأنّه من دون معرفة الماضي لا يمكن النّهوض مستقبلاً.




حكاية بداية الصحف العربية بدأت في مصر مع اول صحيفة صدرت في القاهرة العام 1799 بعنوان «الحوادث اليومية»، وكانت يوميّة رسميّة أنشأها نابليون الأوّل عندما كان قائداً للجيوش الفرنسيّة في وادي النيل. وفي العام 1828، أمر خديوي مصر محمد علي بإصدار «الوقائع المصريّة»، وكانت تصدر باللّغتين العثمانية والعربية في البداية، ثمّ تحوّلت إلى العربيّة لاحقاً. في 1855، أصدر أوّل عربي، وهو الشّاعر السّوري رزق الله حسّون، جريدة بالعربية بعنوان «مرآة الأحوال»، لكنّها أوقفت عن الصدور بسبب نقدها الشّديد للسّياسة العثمانيّة. أمّا أول صحيفة باللغة العربية فصدرت في بيروت العام 1858 تحت اسم «حديقة الأخبار» لمؤسسها خليل الخوري، وكانت تنطق باسم الوالي التركي.

وتشير الباحثة في الشؤون الثقافية الدولية للمعلومات في متحف «نابو» أمية درغام في حديثها مع «نداء الوطن» الى أنّ «خلال فترة الاحتلال العثماني صدرت صحف باللغة التركية فحسب، بعدها جمعت بين التركية والعربية، لتصدر باللغة العربية أخيراً».

لعبت النّساء أيضاً دوراً رياديّاً في الصحافة العربيّة، وكانت الشّاعرة السوريّة مريانا مراش أوّل امرأة تكتب في الصحافة العربيّة، وظهرت مقالاتها في «الجنان» و»لسان الحال» في بــيروت. وفي العام 1892، أسّست اللّبنانيّة هند نوفل، في الإسكندريّة، أوّل مجلّة نسائيّة في العالم العربي، وحملت عنوان «الفتاة».

لبنان ومصر في الطليعة

قبل استخدام الطباعة لإصدار الجرائد والمجلّات، صدرت بعض الصحف المنسوخة بخط اليدّ، منها المدرسيّة الأدبيّة، ومنها السياسية. وكانت الصّحف والمجلّات تعبّر عن آراءٍ سياسيّةٍ متضاربة. بعضها عثمانيّ الولاء، والبعض الآخر يؤيّد السّياسة البريطانيّة أو الفرنسيّة، وبعض آخر يدعو إلى التحرّر والاستقلال ومحاربة العثمانيّين. وعلى الرغم من الرقابة العثمانيّة، فقد استطاعت بعض الصحف البيروتيّة التّعبير عن إرادة التّغيير والتحرّر، أتى في طليعتها جريدة «المفيد» التي أصدرها عبد الغني العريسي، والتي تمّ إيقافها من قبل السّلطات عدّة مرّات إلى أن أصدر جمال باشا، حاكم سوريا في الحرب العالميّة الأولى، حكماً بإعدام العريسي.

تركّزت كثافة إصدار الصحف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بين مصر (394 دوريّة وجريدة) ولبنان (ما يقارب الـ55 منها)، وتوزّعت تلك الأعداد على كل من سوريا، فلسطين، العراق والحجاز، ناهيك عن الصحافة المهجرية أوروبيّاً وأميركيّاً سواء في أميركا الشمالية أو الجنوبيّة. وتوضح درغام أنّ «المعرض يشمل فترة البدايات من 1850 الى 1855، أمّا المجموعات المختارة فتنقسم بين ما هي خاصة بالباحث بدري الحاج (صاحب فكرة المعرض) ومجموعة متحف «نابو» وأخرى خاصة بأصدقاء المتحف».



نماذج عن الجرائد المعروضة



نماذج عن الجرائد المعروضة



نماذج عن الجرائد المعروضة



390 جريدة داخل المعرض

في القرن التاسع عشر، جرت محاولات كثيرة لإحصاء تقريبي لعدد من الصحف والمجلّات العربية الصادرة حول العالم؛ أوّلها مع جرجي زيدان سنة 1892، الذي أحصى 147 صحيفة ومجلة ونشر ذلك في العدد الأوّل من مجلة «الهلال»، وثانيها مع محمد كامل البحيري ناشراً في العام 1893 في العدد الأوّل من جريدته «طرابلس» إحصاء 40 صحيفة، إلى أن أصدر الفيكونت فيليب دو طرازي في بيروت سنة 1913، كتابه الموسوعي «تاريخ الصحافة العربية» في أربعة أجزاء مكملاً إحصاءه لهذه الصحف حتّى عام 1929.

ولعل ما يميز معرض «بدايات الصحف العربية» عرضه لعدد هائل من الجرائد التي لامس عددها نحو 390 جريدة، منها صحف مهجرية من الصين والهند اسسها بعض من الجاليات العربية المنتشرة حول العالم. «وهذا ليس بالمهمة السهلة»، تقول أمية، مضيفةً: «كان عدد الصحف المهجرية محدوداً نظراً لقلة عدد الجاليات والبقع الجغرافية المنتشرة فيها. وتمكنا في معرضنا من الحصول على عدد وافر منها».

العصر الذهبي


كانت بعض الصّحف العربيّة التي صدرت في البدايات، أداة في نشر الوعي الوطني والدّعوة إلى التحرّر من التّقاليد القديمة والصّراعات الطائفيّة. وأصدر بطرس البستاني في أيلول 1860 جريدة «نفير سوريا» التي اعتبرت من أوائل الصحف التي نشرت الوعي الوطني ودعت إلى الإقلاع عن العصبيّات الطّائفيّة. ولمعت أسماء ما لبثت أن لعبت دوراً أساسيّاً في يقظة العرب على الأصعدة كافة. وتعدد امية ابرزهم قائلةً: « نتكلم عن العصر الذهبي مع أحمد فارس الشّدياق، بطرس البستاني، ناصيف اليازجي، فرح أنطون، جبران خليل جبران، أمين الريحاني، خليل سعاده... الذين كانوا من ابرز المساهمين في النهضة الفكرية العربية، لتمتعهم بخلفية ثقافية، فكرية ولغوية عالية مكنتهم من تحديث اللغة وتصويب كتابتها في الصحف بعدما كانت بعيدة كل البعد عن الناس».


أســـمـــاء مــــلـــفــــتـــة... مـــضـــحـــكـــة


تنوعت اسماء الجرائد وتكررت ومنها إصدارات من قبل الشخص نفسه بين مختلف العواصم والبلدان أبرزها: «الأخبار»، «النهار»، «العروة الوثقى»، «البيان»، «الزهور»، «الحياة»، «لسان الحال».

ولا يمكن الّا والتوقف على بعض الاسماء اللافتة والمضحكة التي ما عدنا نشهدها اليوم، وتعددها أمية قائلةً: أغلبها صحف نقدية هزلية تسخر من السياسة العثمانية أو السياسات الأخرى أبرزها «حطّ بالخرج»، «الحمارة»، «العفريت»، «السعدان»... حتّى أنّ بعض الصحف الاخرى «الأكثر جدّية» اعتمدت الاسماء الغربية مثل الجريدة المهجرية التي صدرت في باريس تحت اسم «برجيس باريس وأنيس الجليس». كذلك، نتوقف عند صحيفة «السائح» التي أصدرت عدداً مميزاً تحت عنوان «السائح الممتاز» في نيويورك، وكتب فيها كتّاب أثّروا باللغة كما الأدب والفكر مثل ميخائيل نعيمة، جبران خليل جبران، ايليا ابو ماضي ونسيب عريضة».

MISS 3