غادة حلاوي

حيّنا والكورونا- الضاحية

1 نيسان 2020

03 : 32

الضاحية

يلفّ الصمت على غير عادته أحياء الضاحية الجنوبية وشوارعها، ويخيم الترقّب على مداخل مبانيها وأبوابها التى يخرقها ظلال قلة من العابرين او كثرة من الذين يلوحون بهاماتهم من خلف الشبابيك .

دجّن كورونا صخب هذه المنطقة التى لا يعرف ليلها نوماً، بعدما نجح وباء كورونا في جعل الناس تمشي على أطراف أصابعها، متلفتة بين الأرصفة. هنا سيدة تمشي مسرعة، واضعة الكمامة على وجهها، وحاملة أكياساً في يديها يفترض أن تكفيها وعائلتها أسبوعاً تلتزم فيه الحجر المنزلي. وهنا شاب يخرج من الصيدلية حاملاً مؤونة والديه من الأدوية المزمنة التي يحتاجانها. لم ينس قبل أن يغادر إضافة قنينتي سبيرتو إلى مشترياته. ناطور أحد المباني يتنقل على دراجة نارية حاملاً الأغراض من شقة إلى شقة. عليه أن يسرع، وقد أضيفت إلى مهماته مهمة تعقيم المصعد والأدراج، بعدما خصّصت لجان البنايات مبالغ لمستحضرات التعقيم التي تملاً روائحها المكان.

ما يجري يؤكد انها منطقة تضج بالحياة وتحبها، واستطاعت ان تنزع الصورة النمطية التى ألبسها إياها البعض.

في مثل هذه الايام قبل أعوام مضت، دخلت إلى الضاحية للمرة الأولى. سوق تجارية عريضة وصوت فيروز يصدح "دقوا المهابيج خلوا الهوا جنوبي". أصوات ناس وشباب يعقدون حلقات عفوية أمام محالهم يستظلون دفء الشمس. لم اكن اعرف الضاحية الا من خلال ما قرأته او سمعته عن مساحة جغرافية خارجة على حدود الدولة وقوانينها. مع الايام صرت اعتاد حياة اهلها، تعرفت اليهم عن قرب حتى صاروا جزءاً مني وانا منهم. هم الذين جبلتهم الحياة بحلوها ومرها، عانوا على امتداد أعمارهم، هجّروا وهاجروا وخلقوا من ضعفهم قوة كما باقي ابناء هذا الوطن العصي على الأزمات. انتصروا على اسرائيل، تصدوا لعدوانها وعادوا رافعين رايات النصر.

كُتِب على الضاحية ان تكون ضحية مرات عدة، في الأمن والسياسية، وقد لفّها إهمال الدولة وندرة حضورها، وأصرت وواجهت بالتكافل الاجتماعي بين أهلها وناسها وها هي تعود الى التصدي مجدداً لعدو من نوع آخر، لا يقف في مواجهته جيش او سلاح.

استكانت للتدابير والإجراءات التى فرضها هذا الوباء ومن خلفه ما اصدرته الحكومة من قرارات تنفيذية. فالضاحية الجنوبية اليوم تشبه كل الضواحي الاخرى اكثر من اي وقت مضى.

الالتزام البيتي يكاد يكون عندها الأعلى حسب الإحصاءات التى أظهرت امتثالا مهماً ومرموقاً بين المناطق اللبنانية الاخرى، الا ان الجدير بالذكر هو النشاط الفاعل الذي تقوم به لجان الأهل والأحياء. وهو صيغة متقدمة عن المجتمع المدني في تقديم يد العون والمساعدات وتفعيل العمل الإرشادي والتوعوي والتوجيهي في مواجهة وباء الكورونا. فالضاحية رغم مساحتها الجغرافية المتواضعة نسبياً الا انها تشهد الاكتظاظ الأكبر في لبنان ويتوزع مقيموها بالسواد الأعم على أهل الجنوب والبقاع عدا عن سكانها مما ساعد في رفع حجم الالتزام ومنسوب التقيد بمنع التجوال الذاتي الى نسبة تقارب التسعين بالمئة. وهي نسبة مرتفعة بعثت على الارتياح والرضى، فضلاً عن النشاطات البلدية المواكبة لهذه الإجراءات المدعومة بشكل واضح من كل من "حزب الله" وحركة "أمل".

لكن يبقى السؤال الجوهري الى متى سيبقى الناس صامدين على التزامهم بالحجر المنزلي وعلى الانضباط في مواجهة تداعيات هذا الوباء الذي جعل دولاً وبلدانًا تشيخ وتهرم قبل أوانها؟ وهل الدولة باستطاعتها ان تقدم الوسائل وسبل الدعم للذين يعيشون على قوت يومهم ؟ المقبل من الايام والمرحلة الحرجة كفيلان برد الجواب ...


MISS 3