أحمد الأيوبي

الإسلاميون في لبنان والتجربة التركية: "حافظ مش فاهم"

9 حزيران 2023

02 : 00

جانب من الإحتفالات في لبنان

من شاهد حماسة اللبنانيين الحاملين للجنسية التركية للمشاركة في الانتخابات التي أوصلت الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الحكم لولاية دستورية جديدة وأعطت «حزب العدالة والتنمية» وحلفاءه أغلبية نيابية واضحة... يعتقد أنّ هؤلاء المتحمِّسين شركاء في التجربة التركية وأنّهم جزء من انتصاراتها السياسية والاستراتيجية وأنّهم يشكِّلون الامتداد المُتماهي مع النموذج الذي راكمه أردوغان منذ ما يزيد عن العشرين عاماً في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية والإقليمية.

الافتخار الذي يعبّر عنه اللبنانيون - الأتراك، يعود بعضه إلى جذور تاريخية، ويتمثّل هذا البعد بالعائلات التركمانية التي تتمركز في عكار وطرابلس وبيروت والبقاع، وشريحة كبيرة من هؤلاء ما زالت تحتفظ بمعالم هويتها التركية لغةً وعاداتٍ وتقاليد، وقد حظيت بعناية القيادة في تركيا فأنشأت لها المدارس والبنى التحتية ومشاريع تنموية وتعليمية.

أمّا الشرائح التي احتفلت بفوز رجب طيب أردوغان فهي أوسع وتشمل مجمل الحركات والجمعيات الإسلامية ذات الهوى «الإخواني» أو المتحدِّرة من مدرسة «الإخوان المسلمين»، بينما تعمل جمعياتٌ أخرى ذات طابع مدني تحت عنوان الصداقة اللبنانية - التركية، وتمكنت من تنفيذ بعض المشاريع التنموية، من دون أن يكون لها اصطفافٌ سياسيٌ داخلي أو انحيازاتٌ فاقعة تجاه الانقسام السياسي السائد في البلد، مع ترجيحٍ هادئٍ للمعسكر الرافض لهيمنة «حزب الله» وسطوته على الدولة.

لكنّ اللافت في هذا المسار المستمرّ انه شهد تطوراً متعاظماً لحزب «العدالة والتنمية» ونجاحاً في تثبيت وجوده في الحكم في أطول فترة من الحكم الديمقراطي منذ آخر قرار حلٍّ لحزب «الفضيلة» عام 2001 ووقوع الانشقاق داخل مدرسة نجم الدين أربكان ذات الجذور الإخوانية ليخرج عليها أردوغان ويتجه الإخوانيون إلى تأسيس حزب «السعادة» الذي دأب على خوض الاستحقاقات الانتخابية ضدّ حزب العدالة والتنمية وساهم مرشحو «السعادة» في خسارة حزب أردوغان للانتخابات البلدية في أنقرة واسطنبول عام 2019 كما كان الحزب جزءاً من تحالف الطاولة السداسية في الانتخابات الأخيرة. كانت هذه اللفتة ضرورية للقول إنّ حزب «العدالة والتنمية» هو في حالة مواجهة داخلية مع التيار الإخواني التركي، بينما يدّعي «الإخوان المسلمون» في العالم العربي الوصل بالرئيس أردوغان وحزبه، وهذه من المفارقات العجيبة التي تتموضع بين الضفتين التركية والعربية، وقد ظهرت بشكل جليّ في الخلاف الذي نشأ بين أردوغان وإخوان مصر عند زيارة الرئيس التركي للقاهرة بعد فوز الرئيس الراحل محمد مرسي عندما تعرّض الزائر لسيلٍ من الانتقادات على المنابر بعد أن دعا إلى الإفادة من التجربة التركية في التأنّي بصعود سلّم السلطة.

المسألة الأخرى التي تعنينا في لبنان، هي انتقال هذه الازدواجية إلى «الإخوان المسلمين» ممثلين بالجماعة الإسلامية التي قام أمينها العام الشيخ محمد طقوش بواجبه الانتخابي باعتباره يحمل الجنسية التركية واقترع لصالحة «العدالة والتنمية» وأردوغان، بينما كان لقياديين آخرين في «الجماعة» توجه لدعم تحالف الطاولة السداسية وإن كانوا أقلية في التنظيم.

لكنّ أكثر ما يثير التساؤل هو هذا التناقض في الحال والمآل بين حزب «العدالة والتنمية» وتجربته في إرساء مؤسّسة حزبية متطوِّرة، أخذت بأسباب التقدّم في الإدارة والسياسة والتعامل مع الأزمات، وفي الحكم والصمود رغم كلّ التحديات في إدارة بلد حسّاس وفي أوضاعٍ إقليمية ودولية متفجّرة، وبين الأوضاع المزرية للحركات الإسلامية في لبنان، والتي لا تزال تخضع لإداراتٍ متكلِّسة وجامدة وتثابر على التمسُّك بالأساليب ذاتها منذ السبعينات من القرن الماضي حتى اليوم، وكأنّه لم تحصل ثورات في الإدارة والتكنولوجيا ووسائل العمل السياسي. وبينما نجح «العدالة والتنمية» في تركيا في إرساء سياسة تنموية وإعطاء الاقتصاد والإنتاج مساحاتٍ واسعة من الاهتمام، فإنّ المسألة التنموية عند إسلاميي لبنان ما زالت عبارة عن تبرعات خيرية ونادراً ما تصل إلى مشاريع إنتاجية ذات طبيعة مستدامة. لم يستوقف هذا الفارق الشاسع بين الحالتين التركية واللبنانية أصحابَ الشأن من أهل القرار في التيارات والجمعيات الإسلامية اللبنانية اللائذة بالهوى الأرودغاني، حتّى تحوّل بعض هذا الهوى إلى وسيلة للدعاية الذاتية، لأنّ ما يزيد عن العشرين عاماً قد مضت، و»العدالة والتنمية» في تركيا يزداد تقدّماً والإسلاميون في لبنان يزدادون تقهقراً وتراجعاً.

لا تحظى سياسةُ الرئيس أردوغان بالإجماع، فهناك أطرافٌ كثيرة تنتقدها، لكنّ حال من ينسب نفسه إليها في لبنان مباشرةً أو مداورة يحتاج إلى تأمّل. فهو لا يرى فيها سوى التأثّر بموجات الانتصار عند كلّ استحقاق من دون التفكير في كيفية تطوير واقعه والانتقال نحو الاندماج في المجتمع على المستوى الوطني والإفادة من النموذج التركي في نقل الخبرات التنموية والاستراتيجية، فإذاً حالهم ينطبق عليه المثل القائل: «حافظ مش فاهم» لجوهر العمل السياسي، فالمنتصر هو الشعب التركي الذي ثبّت تجربته الديمقراطية، بينما لا ينال الإسلاميون من النصر سوى هتافاتٍ في شوارع المناطق السنية البائسة.