جان كلود سعادة

الخَيبة وعبادة الجَيبة

10 حزيران 2023

02 : 00

‏إنه برنامج وثائقي خفيف باللغة الفرنسية يدعى Échappées Belles أشاهده أحياناً، لكنّه هذه المرة كان محرّكاً لغضب كبير سببه الخيبة من هذا البلد ومن «النموذج» ومن جميع السرديّات المنافقة عن «اللبناني الشاطر».

موضوع هذه الحلقة من البرنامج الذي يتنقّل بين بلدان ومناطق العالم ويعرّف عنها بطريقته الخفيفة، كان هذه المرة دولة مجاورة لنا وهي عدوّ تاريخي وفكري ولعلّ هنا كان مكمن الغضب الحقيقي. تبدأ الحلقة بمشاهد الشواطئ الرملية المفتوحة على المدن الساحلية المسروقة من أهلها فتخال أنّك في جنوب كاليفورنيا أو في البرتغال او أي مكان آخر معروف بشواطئه الجميلة الخلابة. والأنكى أنّ هذه لا تشبه بشيء شواطئنا اللبنانية التي تبعد بضعة عشرات من الكيلومترات على نفس الكوكب ونفس البحر وتحت نفس الشمس، والتي تحتلها «المنشآت السياحيّة» كما يحلو لهم تسميتها.

ولكي نتطّرق أولاً لـ»الفيل الجاثم في الغرفة» كما تقول العبارة المعروفة، هذه الحلقة أشعرتني بالغضب والنقمة، أولاً لأن هذه المدن والشواطئ قد سُلبت من أهلها، وثانياً لما تمكّن هؤلاء القادمون من بقاع العالم المختلفة أن يفعلوه بجوارنا وعجز «الإبداع اللبناني» عن تحقيقه.

وبالعودة إلى البرنامج نفسه، لعل ما لفتني بصور هذه الشواطئ أنّ لبنان كان مشغولاً هذا الأسبوع بالتعدي على إحدى آخر البقع الجميلة على الشاطئ في تحوم وكفرعبيدا. لكن الفرق الشاسع لا يقتصر على حال الشواطئ الجميلة والمفتوحة للناس، فالحلقة تغوص في بعض الأحياء القديمة وكيف يستفيدون منها في السياحة وكذلك تتناول «الزراعة الصحراوية» التي تستعمل التكنولوجيا المتطورة وحقول الطاقة الشمسية التي تغذي مدناً بأكملها، إضافةً الى المواقع الأثرية المصانة والمستعملة الى أبعد الحدود في تطوير السياحة وتثبيت الأفكار والبروباغندا التي تناسبهم. عند هذا الحد توقفت عن متابعة الحلقة ولا أعلم إن كانت قد تطرقت إلى شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة التي تزيد على إقتصادهم كل سنة عشرات مليارات الدولارات من المداخيل والقيمة السوقية المضافة.

التفسير التقليدي والجاهز لما يحصل في هذه المستعمرة الكبيرة التي زُرعت في شرق المتوسط، أنّها تتلقّى كل سنة عشرات مليارات الدولارات من المساعدات والتبرعات والعقود التجارية. وقد يكون هذا التفسير واقعياً إلى حد ما، لكن السؤال الذي يعنينا ويهمّنا في هذه المسألة هو التفسير الحقيقي لما فعله اللبنانيون ببلدهم، وكيف استطاعوا تحويله إلى «بورة كسر» تعيش فيها مجموعة من الأشباح الهائمة بانتظار اسم رئيس يأتي من الخارج ومساعدات تأتي من الخارج وتعليمات كذلك تأتي من الخارج.

- هل أجبرنا العدو عل سرقة بلدنا وتفجير عاصمته ونهبه؟

- هل طلبت المنظّمات المعادية واللوبيات مثلاً من المصارف أن تسرق مدخرات شعب بأكمله؟

- هل أجبرنا المهاجرون من مختلف أنحاء العالم أن نحّول شواطئنا إلى شركات خاصّة ونمنع الرمال والماء والهواء والشمس عن اللبنانيين؟

- هل صدّرنا أجيالنا تحت التهديد لكي يعملوا في الخارج ومن ثمّ لتسرقهم المافيا في الداخل؟

الأمثلة كثيرة ولا تنتهي، لكن الواضح وضوح الشمس أنّ عدو لبنان الأول ومانع نهضته وتقدمه بين بلدان العالم، هو هذه الذهنية المريضة التي تمجّد السرقة والإحتيال ومخالفة القانون والفساد على أنواعه وتعدد تسمياته. فما أوصلنا إلى هذه الحفرة لم يأتِ من الفضاء الخارجي بل هو صناعة محلية نبرع في تطويرها وهي صناعة الخيبة وعبادة الجيبة.

(*) خبير متقاعد في التواصل الاستراتيجي


MISS 3