جاد حداد

Baby Reindeer... قصة قاتمة عن اضطرابات عاطفية فائقة

27 نيسان 2024

02 : 00

بدأت شبكة «نتفلكس» عرض المسلسل القصير المؤلف من سبع حلقات، Baby Reindeer (الطفل الرّنة)، وهو مقتبس من عرض فردي حيث يروي الكاتب والكوميدي الاسكتلندي ريتشارد غاد القصة الحقيقية وراء تعرّضه للمضايقة والمطاردة طوال سنوات. يجسّد غاد دور «دوني دان» بأسلوب مقنع ومريب: إنها نسخة خيالية من شخصيته، وهي تنقل المشاهدين إلى واحدة من أسوأ مراحل حياته. يستكشف المسلسل عواطفه العميقة وطباع المرأة التي تطارده، ويعرض الحوادث الماضية التي رسّخت عقليته في تلك الفترة. يقدّم المسلسل أحداثاً صادمة، ومرحة، ومؤلمة، ومدمّرة، ويمكن اعتباره من الأعمال التلفزيونية النادرة والقيّمة، فهو يُذكّرنا جميعاً بجودة القصص التي يمكن تقديمها في عالم التلفزيون.

تبدأ الأحداث بظهور «دوني» وهو يدخل إلى مركز للشرطة في لندن. هو يبدو مرهقاً ومضطرباً، فيوضح للمسؤولين هناك أن امرأة مختلّة تطارده منذ أشهر. ورغم قلقه الواضح، لا يقدّم له ضابط الشرطة أي حلول حقيقية للأسف. لكن حين يعود المسلسل بالأحداث إلى ما حصل قبل ستة أشهر، سيكتشف المشاهدون أن «دوني» لم يكن صادقاً بالكامل بشأن الوضع الذي يواجهه.

«دوني» كوميدي مبتدئ في العشرينات من عمره، وهو يمضي نهاره في تقديم المشروب داخل حانة محلية قبل أن يمضي لياليه وحده في غرفة نوم داخل منزل والدة حبيبته السابقة «كيلي» (شالوم برون فرانكلين). في يوم عادي ظاهرياً، تدخل إلى الحانة امرأة تقليدية في منتصف العمر اسمها «مارثا» (جيسيكا غانينغ). يلاحظ «دوني» أنها توشك على البكاء، فيقدّم لها كوب شاي. وعندما توضح له أنها تعجز عن دفع سعر ذلك الكوب، يعرضه عليها مجاناً، فيتحسّن مزاجها فوراً. سرعان ما تبدأ «مارثا» الكلام عن عملها كمحامية وعن منزلها الفخم بتفاصيل مفرطة، وتحرص أيضاً على إغراق «دوني» بسيلٍ من المجاملات. ينجح هذا الأخير في الترفيه عنها، لكنه يدرك في الوقت نفسه أن القصص التي ترويها لا تبدو منطقية بالكامل.

مع ذلك، لا تمنع شخصية «مارثا» المتهورة وضحكتها الصادمة «دوني» من احتوائها ومساعدتها. سرعان ما تعتاد على المجيء إلى الحانة يومياً، فتجلس طوال فترة دوامه وتطلق عليه لقب «الطفل الرّنة». وعندما يحاول «دوني» أخيراً أن يضع مسافة في علاقته معها بلطف، تبدو «مارثا» غير مستعدة للتخلي عن الوهم الذي رسمته في عقلها حول معنى العلاقة التي تجمعهما، فتبدأ بالتسلل إلى كل جانب من حياة «دوني»، بما في ذلك عروضه الكوميدية الفردية وحياته الشخصية التي تشمل «تيري» (نافا ماو)، معالِجة نفسية بدأ يواعدها حديثاً.

يقدّم غاد نسخة شبه واقعية من تصرفات «مارثا» التصعيدية، حين تبدأ بإرسال عدد هائل من الرسائل الإلكترونية المتناقضة والمليئة بالأخطاء الإملائية (وصل عددها على أرض الواقع إلى 40 ألف رسالة)، وهي تتراوح بين توبيخ «دوني» وتهديده وكتابة تلميحات جنسية غير مرغوب فيها. تقدّم الممثلة جيسيكا غانينغ أداءً مميزاً بدور «مارثا» وتبرع في تجسيد تقلباتها المزاجية الجامحة التي تختلف بين لحظة وأخرى. من الواضح أنها تعيش في عالم مختلف وتخوض تجارب لا يراها أحد سواها. قد يظهر «دوني» بصورة الضحية، لكن يحرص غاد على عدم تصويره كشخصٍ لا دور له في كل ما حصل. في الحلقة الرابعة، يظهر «دوني» وهو يواجه سلسلة من الأحداث المحتدمة قبل خمس سنوات، وتشير تلك التطورات إلى حالته الذهنية الراهنة. سرعان ما يكتشف المشاهدون السبب الذي يجعله يقوم بخيارات مريعة في ظل استمرار مضايقات «مارثا» ورغم جميع المؤشرات التحذيرية التي يتلقاها، يشعر أحياناً بالإطراء بسبب اهتمامها المتواصل به.

على غرار مسلسل I May Destroy You (قد أدمّرك) للكاتبة ميكاييلا كويل على شبكة «إتش بي أو»، تعرض القصة التي يرويها غاد حكاية صادقة وهشة عن تجاوزات متنوعة وطريقة تأثيرها على مختلف جوانب حياة الناس. على مر سبع حلقات، يستكشف غاد كيف تحوّل هوس «مارثا» بـ»دوني» إلى مصدر إزعاج وانبهار مَرَضي به. كذلك، يتطرق المسلسل إلى مسألة الانحيازات بين الجنسَين، نظراً إلى انقلاب الأدوار بين الرجل والمرأة في هذه القصة.

أخيراً، يسلّط هذا المسلسل اللامع والقاتم الضوء على هشاشة العواطف البشرية والأمراض النفسية بأسلوب حذر. وبفضل مقاربته الصادقة والفكاهية أحياناً، يتسنّى للمشاهدين أن يتعمّقوا في التعرّف على «دوني» وتعقيدات شخصيته والأحداث التي رسمت جوانبه الإنسانية. بحلول نهاية المسلسل، سنضطر لمواجهة الأكاذيب التي نخبرها لأنفسنا وللآخرين، وسندرك تأثير تلك العوامل كلها على طريقة ظهورنا في العالم وطبيعة الأفكار التي نتقبّلها.

3