رماح هاشم

نحاس: المغترب يعيش غربتَين... وهناك أوهام

الهجرة نزيف... وليست خلاصاً

12 حزيران 2023

02 : 00

خلال عرض فيلم «إلى أين» في بدارو أمس (فضل عيتاني)

تحت شعار «الهجرات بين المُتخيّل والمعاش»، نظمت حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» ندوة في مركزها في بدارو. بدايةً تمّ عرض الفيلم اللبناني «إلى أين» (1975) للمخرج جورج نصر، والذي تدور أحداثه حول رب أسرة يقرّر أن يهاجر خارج لبنان لمدة عشرين عاماً، وعندما يعود لوطنه يجد ابنه يُخطط للهجرة فتتكرر المأساة والغربة.

ويبدي الفيلم إنتباهاً شفافاً للبعد المجتمعي الذي نشأ، وإلى مُتخيّل الأفراد عن المهجر، في وقتٍ كان يتبدّل فيه وضع المنطقة والعالم. فيعرض تأثير تلك الظروف على العلاقات العائلية والمجتمعية وحتى على علاقة الفرد بنفسه وبالأرض التي كان يحرثها.

وبعد العرض جرى نقاش حول الفيلم مع أمين عام حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» الوزير السابق شربل نحاس، والمنتجة السينمائية لين خوري، والصحافية والكاتبة أورنيلا عنتر.

وتطرقت النقاشات إلى «أعداد اللبنانيين الذين غادروا في السنوات الـ4 الأخيرة، وبأنها ليست الموجة الأولى لهجرة اللبنانيين منذ 100 عام. وبأن الهجرة مستمرة وترافقت مع سرديات عن النجاح والإنتشار وعلاقة اللبنانيين بالمكان، وبلبنان والعالم ودوره ودورهم فيه، إضافة إلى مَن هم الذين غادروا لبنان قبل الأزمة وبعدها، وما بنيتهم العمرية وخلفياتهم التعليمية والمهنية، وكيف يختبر اللبنانيون الهجرة هذه في معاشهم اليومي وفي نظرتهم لدورهم الإجتماعي والسياسي في لبنان وفي بلدان إقامتهم الجديدة».

ووفقاً لبعض النقاشات فإنّ «كل موجة هجرة تتأثر بظروف تحيط بها، إلا أنّ الجامع بينها هو إقترانها الدائم بسردياتٍ تتحدث عن النجاح والإنتشار وعن علاقة المغترب ببلده الأساس وبمجتمعه المقيم، وبذلك ترتسم في متخيّل المجتمع أنماط عن المهاجر تكون بعيدةً عن الواقع الحقيقي لأولئك الذين غادروا إلى المهجر».

نحاس وفي حديث لصحيفة «نداء الوطن»، يشير إلى أنّ «الفيلم يتطرق إلى تجربة الهجرة، وكيف أن الوهم يتحكم بالفرد الذي يغادر إلى الخارج من أجل جني المال، ومن ثم يعود إلى هنا ويترقّى إجتماعياً ومادياً، وبأن الهجرة أمر سهل، وأصبح الشباب يقنعون بعضهم البعض بضرورة الهجرة»، ويلفت إلى أنّ «الفيلم هدفه تظهير كيف أن الوهم مستحكم بكثير من الأشخاص من جهة، وكيف أنّ الواقع مختلف».

ويُمثل الفيلم «مدخلًا للصورة عن الإفتراق والمآسي والمعاناة الشخصية، وعن الهم العام»- حسب نحاس- ويُذكّر بأنه «عند إصدار الفيلم إنطلقت مهرجانات بعلبك حينها، وبدأ إنتاج الفولكلور اللبناني مع مسرحياته والذي بدأ يُظهّر صورة مجمّلة عن القرى اللبنانية».

نحاس يدعو مَن يستطيع إلى «مشاهدة الفيلم، فهو من ناحية يُصور كيف كان البلد في حينها، وكيف هو واقع الهجرة التي نعيشها اليوم وهي أوسع بكثير من تلك الهجرة التي كانت سائدة في الخمسينات، حيث كانت أبسط بكثير وأقل إتساعاً بكثير مما هي عليه اليوم».

ويرى بأنّ «الهجرة معاناة، فالشخص عندما يهاجر يصبح بغربتيْن: فهو يكون غريباً في البلد الذي قصده، إلا أنه يسعى ويجهد ليندمج، وفي ذات الوقت يصبح منفصلاً عن منشئه وغريباً عنه، أي يعيش غربة مزدوجة»، ويعتبر بأنّ «المعاناة التي يصورها الفيلم تعيشها كل عائلة لبنانية، فكل عائلة في لبنان لديها مهاجر».

ويردف قائلاً: «نحن نعيش هذه المعاناة كحالات فردية، نفسية وعائلية، متناسين أنها ظاهرة إجتماعية وجماعية والتي من المُفترض أن تكون سياسية»، واللافت وفق نحاس أنّه «بالرغم من حجم الهجرة، وإنتشارها في الآونة الأخيرة بشكل كبير، فليس هناك أي من المسؤولين تطرق إلى هذا الموضوع وخطورته، سوى ما يقومون به من حملات لتشجيع المهاجر على القدوم خلال فصل الصيف وإطلاق شعارات كشعار حملة «أهلا بالهطلة»، من أجل تحريك القطاع السياحي، وكأنه بهكذا تصرفات تُحل القضايا والأمور».

وفي ختام حديثه، يؤكّد نحاس أنّ «الفيلم عُرض كمدخل لمقاربة علمية وسياسية مختلفة والإنكار السائد بالبلد في الوقت الذي تحولت فيه الهجرة إلى نزيف».


MISS 3