رواد مسلم

قطع طرق الإمداد الروسية ضروري لنجاح الهجوم المضادّ

19 حزيران 2023

02 : 00

جندي أوكراني يطلق النار في اتجاه مواقع روسية على الخطوط الأمامية قرب باخموت السبت (أ ف ب)

تتزايد حدّة المواجهات بين الجيشين الروسي والأوكراني منذ انطلاق المرحلة الأولى من الهجوم الأوكراني المضاد الذي يهدف إلى استعادة كافة الأراضي المحتلّة، فالجبهات عديدة من الشمال إلى الجنوب، والمكاسب الأوكرانية بسيطة لأنّ هدف المرحلة الأولى أو المرحلة التمهيدية ضمن الخطط الهجومية، حسب العلم العسكري، هو إختبار نقاط قوّة العدو وضعفه لحشد القدرات الهجومية في مناطق الضعف. لذلك من الطبيعي ألا يحقّق الجيش الأوكراني تقدّماً سريعاً وضخماً في هذه المرحلة.

لا يمكن فقط تحليل نقاط ضعف الجيش الروسي في الجبهات الحالية، حيث المواجهة الآن على خطوط التماس ضمن خط الدفاع الأوّل من أصل ثلاثة خطوط دفاع متباعدة عن بعضها البعض بما لا يقلّ عن 20 كلم، وعمق الخط الدفاعي الأوّل يتراوح بين 4 إلى 5 كلم مكوّن من حقول ألغام، موانع إسمنتية، مواقع دفاعية مموّهة متمركزة على محاور تقدّم المدرّعات المحتملة ومعزّزة بأسلحة مضادّة للدروع لصدّ أي تقدّم. وبالتالي، فإنّ كلّ المناطق التي استعادها الجيش الأوكراني منذ انطلاق الهجوم المضادّ لم تتعدّ الخط الدفاعي الأوّل للجيش الروسي.

يبدو حتى الآن أنّ الجيش الروسي قد نجح في بناء خطّة دفاعية فعّالة، فهو المدافع في هذه المرحلة، ويعرف أنّ الجيش الأوكراني لم يزجّ بعد القدرات القتالية المتكاملة في جبهة واحدة ضعيفة، ولا يُريد أن يُعطي الجانب الأوكراني أي ميزة عسكرية في أي جبهة، فبمجرّد إحداث أي ثغرة في خط الدفاع الأول (هدف المرحلة الأولى من الهجوم المضادّ)، يستطيع الجيش الأوكراني الإنتشار يميناً ويساراً وتوسيع الخرق، والإنتقال إلى مرحلة إستثمار نجاح المرحلة الأولى ليزجّ المدرّعات الغربية في إتجاه الخطّ الدفاعي الثاني الذي يعتبر أقلّ تحصيناً، حيث ستكون المواجهة تصادمية أي دبابة في وجه دبابة. وبالفعل، فإنّ الجيش الروسي يعرف أنّ المواجهة الأساسية والحاسمة ستكون بالدبابات، فقد أتت زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى مصانع الدبابات في مرحلة الحشد وتجميع القدرات الدفاعية على خطوط الدفاع، لزيادة إنتاج الدبابات والذخائر الروسية.

إضافةً إلى الأسلحة المضادّة للمدرّعات، فقد وظّف الجيش الروسي الطوافات القتالية في الجنوب حيث الأراضي المفتوحة، ما يحدّ من إمكانية رصد الهجمات والردّ عليها من الأرض، فيأتي دورها لدعم القوات الأرضية على خطوط التماس، فيُمكنها رصد الأهداف وتدميرها بالصواريخ الموجّهة بالليزر عن بُعد، أي خلف الخطوط الأمامية.

لذلك، على الجيش الأوكراني إعادة حساباته حول الهجوم من الجنوب أي من زابوريجيا وخيرسون، ومن المتوقع أن يتمّ طلب العديد من أنظمة الدفاعات الجويّة الغربية البعيدة المدى مثل «باتريوت» و»آيريس تي»، لتتمركز في الجنوب لتأمين الغطاء الجوّي لأي هجوم أرضي محتمل. فالجيش الروسي وضع أكثر من 20 مروحية إضافية في مطار بيرديانسك، جنوب مقاطعة زابوريجيا المحتلّة، على بُعد نحو 100 كيلومتر خلف خط الجبهة.

لم يُسجّل الجيش الأوكراني أي هدف وسيط يُساهم في تحقيق هدف المرحلة الأولى، فبالرغم من إستعادة عدّة بلدات كانت محتلّة، لكنّها ليست حسّاسة وحاسمة، ولا تعتبر نقاط ارتكاز لتطوير العمليات الهجومية، فهو بحاجة إلى استعادة التلال الحاكمة، أي التي يُمكنها رصد تحرّكات العدو من بُعد والتي هي ضمن خط الدفاع الأوّل، واستعادة مناطق إستراتيجية كالمدن الكبيرة في المقاطعات الأربع المحتلّة ليقوم بتجميع قدراته الهجومية فيها قبل انطلاق المراحل اللاحقة، واستعادة الطرق الرئيسية لقطع طرق التعزيزات اللوجستية عن الجيش الروسي.

الإنجازات الأوكرانية حتى الآن هي تكتيكية، يُمكن أن تهدف إلى تثبيت الجيش الروسي في مواقعه واستنزافه، فيبدو أنّ الجيش الأوكراني لا يُريد التسرّع في إحداث الخرق، بل يُريد أن يُشغل العدو على جبهات عدّة لإرهاقه. ففي هذه المرحلة، الجيش الأوكراني هو قائد المواجهات والجيش الروسي يقوم بردّة الفعل، وبالتالي لا يتمتّع الأخير بالمرونة ويجب أن يكون على استعداد كامل على مدار الساعة، ما يؤدّي إلى إرهاق العناصر وصانعي القرار العسكري.

من الواضح أنّ الجيش الروسي بالرغم من الإرهاق، يتمكّن من تزويد كافة الجبهات بالحاجات اللوجستيّة من ذخائر وأسلحة ومؤن ووقود، لذلك من الضروري الآن أن يستخدم الجيش الأوكراني الأسلحة البعيدة المدى مثل «ستورم شادو» البريطاني لضرب طرق الإمداد، وأي تأخير بضرب هذه الطرق سيؤدّي إلى تقوية دفاعات الجيش الروسي ويجعل الهجوم المضادّ صعباً والمواجهات طويلة المدى وفرص نجاحه قليلة، ما لم تُقدّم أسلحة غربية أكثر فعالية للجيش الأوكراني لإحداث فرق كبير في ميزان القوة الذي هو شبه متوازن حالياً.


MISS 3