جيمي الزاخم

الشاشاتُ اللبنانية أَضْرَبَتْ عن المُدقِّقِ اللُّغَوي؟

19 حزيران 2023

02 : 01

في الكثير من مقابلاتهم، يستذكر إعلاميون وإعلاميات تجاربهم مع المدقّق اللغوي في المؤسسات المحلّية والعربيّة: ينتظرهم بعد انتهاء نشرتهم مع لائحة التنويه أو التوبيخ... ليست مناسبة الكلام الاحتفالية بيوم اللغة العربية. موعدنا معها يوميّ. ولأنّنا من دعاة اللغة الناعمة بجوفها دون حشوها، سندخل مباشرة إلى موضوعنا. نسأل ثلاثة إعلاميين أيفضّلون وجود مدقق لغويّ يكون محامياً يدافع عن العدالة اللغوية؟ يربط خيطان القواعد ببعضها، لتطير الكلمة على حبال الأصوات المعلّقة على الهواء؟... جيلٌ أول مع يزبك وهبة وفاديا بزي وثانٍ مع غدي بو موسى. لا يريدونها إلّا نجمة صف أوّل في مجالٍ يُجلس بعضهم لغتَه في الكواليس، يرتشف معها البابونج. فتغفو وينساها. تنتظر منه غمرة أو قبلة.





هل المدقّق حجر أساس نشرات الأخبار؟

يجيبنا يزبك وهبة أن التعويل بشكل أساسي على الإعلامي. لكن وجود مدقّق لغوي «يزيد الخير خيراً». منذ بداياته مع «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، لم توظّف الشاشة مدقّقاً لغويّاً. والحال مماثلة مع إذاعة «صوت لبنان». منذ السابعة من عمره، يقرأ الصحف. سارت لغته أمامه. أدخلته عالم هذه الإذاعة في التسعينيات. «هي لا شكّ لغة صعبة»، بالتدريب والمثابرة، اجتهد ليتميّز. «يرافقني القاموس. أتشاور وزملاء متمكنين من اللغة... هي محيط، وجلّ من لا يخطئ». من كان يفتتح قراءته الصحف بصفحة الوفيات للتعرّف على مناطق لبنان وعائلاته، لم ولن يقبل أن يخطّ نعوة اللغة العربية. يزفّها بطرحة من حرير أبيض. بطلب من إدارة الـLBCI، يتولّى تدريب العناصر الوافدة إليها منذ 8 سنوات. باهتمام شخصي منه، يستوضحه بعضهم حول قواعد النحو والصرف تفادياً للأخطاء. خبرته المهنية ينقلها كأستاذ محاضر في أربع جامعات خاصّة. يتلمّس اهتمام بعض طلابها باللغة، لاكتشافهم ضعفهم عند احتكاكهم بسوق العمل.




يزبك وهبة




نائبة مديرة الأخبار في قناة «الجديد» فاديا بزي تؤكد أن دور المدقق ضروري. «أية حركة خاطئة قد تحرّف المعنى». ومهما تمكّن المذيع من لغته، سيبقى بحاجة إلى مساعدة. واكبت بزي القناة منذ بداياتها، مع مدقّقين ومدرّبين كعمر الزين، جهاد الأطرش، عفيف دمشقية وغيرهم. تستذكر التمارين والاختبارات في ذاك «الزمن الجميل». مهنة المدقق رافقت المؤسسة حتى العام الماضي، مع مغادرته بعد تلقّيه عرضاً أفضل. تعتبر تذرّعَ أية مؤسسة إعلامية بالميزانية للاستغناء عنه «حجّة ضعيفة». المدقّق، كوالدها محمود- بعمله السياسي بالمنجل والمطرقة وفي عالم الأحذية- يدافع عن حقّه، يصلح ما تشقّق. يحافظ على اللغة، لتتغندر مع كعب عالٍ لا يُحني ظهرها. أبحرت بزي في عالم اللغة الذي تخصصت به، أشعلت سيجارة لغتها وغزلت في هواء صوتها روحاً وكلمة، لتصطاد ديوان شعر ورواية «بعد أكثر من ثلاثين عاماً كمراسلة ومحرّرة وكاتبة مقدّمات الأخبار».




فاديا بزي




غدي بو موسى يرى أن الإعلامي الحقيقي لا يحتاج لمدقق يصوّب لغته. عليه أن يكرّسها سيّدةً أولى على عرش ثقافته. تكون حركاتها محرّكاً للدماغ. مع غياب مدقق عن قسم الأخبار في الـmtv، قد يستعين برؤساء التحرير وخبراتهم. ولا يتكاسل باللجوء إلى المراجع اللغوية. إتقان اللغة يحرّر غدي المذيع والمراسل. «أكون أثناء النقل المباشر بلا قيود أو تردّد». يقطف المعنى والرّنّة. غدي «ابن بيت هوى الشعر». وعندما قرّر سلوك طريق الإعلام، سهر مع لغته، تابعها وتبعها لتكون إشارة خضراء في سيره المهنيّ. جالس كثيراً دكتورته في الجامعة ليغرف من المعارف اللغوية. انطلاقته، وهو لم يبلغ العشرين من «صوت الشعب» كمراسل ومذيع أخبار قبل انتقاله إلى «الجديد»، أكسبته رويداً رويداً حروفاً يبني بها سقفاً يقيه برد التعبير.




غدي بو موسى




تحيا اللغة الفصحى؟

تريح اللغة الفصحى بو موسى. «هيدي نشرة أخبار». لا يعمّم حكمه: لكنّ لجوء البعض إلى اللغة البيضاء في كل تقاريرهم بمختلف أنواعها «هو هروب، مبرّرين ذلك بقربهم من الجمهور». حسب وهبة، هي مكسب للمشاهدين والمستمعين والطلاب. «عند تأسيس «تلفزيون لبنان»، كان المشاهدون أقلّ ثقافة من اليوم، لكنهم تابعوا وفهموا اللغة الفصحى». تشدّد بزي أن إدارة «الجديد» تحبّذ استخدامها. «نتوجّه إلى جمهور عربي تختلف لهجاته وتوحّده اللغة الفصحى... ولكن في مرات نادرة، ننصح مراسلين مبتدئين باللغة البيضاء في رسائلهم المباشرة، إذا ما وجدوا صعوبة بالتعبير بالفصحى».





المسؤولية على عاتق الإعلامي أو المؤسسة؟


يجمع الثلاثة أن التدريب على الإلقاء واللغة يسبق ظهور الإعلامي. الأخير هو المدّعى عليه الأول في محكمة اللغة. عليه أن يبني اسمه على صخر لا رمل. تلفت بزي إلى أنّ المعايير تغيرت في اختيار مذيعي الأخبار وطغى الشكل على المضمون، مع التزام مؤسّستها بالعناوين العريضة لشروط القبول. أمّا وهبة فيقول: «إنّ LBCI ما طلّعت حدا ضعيف ولكن في ناس كانت تخطئ... في فترة سابقة، كان الإتكال الأكبر على الشكل. ولكن اليوم صار مطلوب الخضوع لدورات باللغة العربية والإلقاء». بو موسى يصف الإعلامي غير المتقن للغته بالمهمل. فالموهبة، دون التعب والتطوير، تترهّل ملامحها، تصاب بأمراض الشيخوخة المبكّرة. لا تنفعها جلسات الغسيل. وقد لا تجد مسعفين يتطوّعون لإنعاشها.


MISS 3