اللحوم الحمراء هل تحارب التصلّب المتعدّد؟

10 : 53

إكتشف العلماء رابطاً بين استهلاك حصة يومية من اللحوم الحمراء غير المُصنّعة، كجزءٍ من حمية متوسطة، وتَراجع التغيّرات الدماغية التي تسبق التصلب المتعدد. لا يفهم العلماء بالكامل بعد سبب هذه الحالة. يظن كثيرون أنّ الجسم يُطلق هجوماً مناعياً ذاتياً على الجهاز العصبي المركزي، ما يؤدي إلى تضرّر طبقة المايلين الواقية التي تغلّف عدداً كبيراً من الخلايا العصبية.

نتيجةً لذلك، تظهر مجموعة متنوعة من الأعراض العصبية. في بعض الحالات، تنشأ التغيّرات الدماغية قبل أن يلاحظ الشخص أعراض التصلب المتعدد بسنوات.



نُشرت دراسة في مجلة «الدماغ» بعدما تابعت مجموعة من الأشخاص على مرّ 10 سنوات غَداة خضوعهم لمسح دماغي بتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي. من أصل 81 مشارِكاً، أصيب 83% ممّن سجلوا نتيجة غير طبيعية في المسح الدماغي، الذي كشف ما يسمّيه الخبراء تشخيصاً عيادياً أولياً لإزالة الميالين في الجهاز العصبي المركزي، بالتصلب المتعدد خلال فترة المتابعة.

يظن الخبراء أنّ عوامل الخطر المُسبّبة للتصلب المتعدد تشمل بعض العوامل البيئية، مثل الحمية الغذائية.

في هذا الاطار، طرح باحثون من كلية الصحة العامة في جامعة «كورتين» في «بيرث»، أستراليا، حديثاً بيانات حول تأثير الحمية الغذائية، وتحديداً اللحوم الحمراء غير المُصنّعة، على عملية إزالة الميالين في الجهاز العصبي المركزي في «مجلة التغذية».

لإجراء الدراسة، عمدت لوسيندا بلاك، وهي باحثة حائزة شهادة دكتوراه في جامعة «كورتين»، وزملاؤها إلى تحليل بيانات مأخوذة من «الدراسة الأسترالية المتعددة المراكز للبيئة والوظيفة المناعية».

وشملت قاعدة البيانات مجموعة مؤلَّفة من 282 شخصاً مصاباً بإزالة الميالين في الجهاز العصبي المركزي، ومجموعة مرجعية مؤلَّفة من 558 شخصاً سليماً. استعملت بلاك «مقياس الحمية المتوسطية البديلة» لتقييم مدى التزام المشاركين في الدراسة الحمية المتوسطة.

تشير علامة 9 إلى أعلى مستوى من الالتزام بالحمية، بينما تشير علامة 0 إلى مستوى منخفض أو معدوم من الالتزام.

إبتكرت بلاك أيضاً مقياساً إضافياً للحمية، اسمه «مقياس الحمية المتوسطية البديلة باللحوم الحمراء»، حيث تشير نقطة 1 إلى الأشخاص الذين استهلكوا حصة من 65 غراماً من اللحوم الحمراء غير المُصنّعة، مثل لحم البقر أو الغنم أو الخنزير أو العجل.

ثم قسّم الباحثون المشاركين إلى 4 فئات: الفئة الأولى (علامة صفر- 2)، الفئة الثانية (علامة 3-4)، الفئة الثالثة (علامة 5)، الفئة الرابعة (علامة 6-9).

إكتشفت بلاك رابطاً بين خطر الإصابة بظاهرة إزالة الميالين في الجهاز العصبي المركزي ومقياس الحمية المتوسطة البديلة. لكن، حين قارنت البيانات الخاصة بالأفراد المنتمين إلى الفئات الثانية والثالثة والرابعة ببيانات المشاركين في الفئة الأولى، كشفت المعطيات تراجع خطر إزالة الميالين في الجهاز العصبي المركزي.

تعليقاً على النتائج، صرّحت بلاك لمجلة «ميديكل نيوز توداي»: «تحتوي اللحوم الحمراء مجموعة مهمة من المغذيات الكبيرة والدقيقة، مثل البروتينات والحديد والزنك والسيلينيوم والبوتاسيوم والفيتامين D وعدد من الفيتامينات B، وتكون لحوم الأبقار التي تقتات الأعشاب غنية بأحماض الأوميغا 3 الحمضية ومتعددة عدم الإشباع، ويُعتبر جزء من هذه المغذيات ضرورياً للحفاظ على صحة الدماغ. لذا، ليس مفاجئاً أن يبرز هذا الرابط الإيجابي بين استهلاك اللحوم الحمراء غير المُصنّعة وخطر الإصابة بالتصلب المتعدد».

عندما تعمّقت بلاك في البيانات وحلّلت مختلف العناصر التي تتألف منها علامات «مقياس الحمية المتوسطة البديلة باللحوم الحمراء»، لاحظت أنّ اللحوم الحمراء غير المُصنّعة كانت العامل الوحيد الذي أنتج أثراً بارزاً من الناحية الإحصائية على مستوى خطر الإصابة بظاهرة إزالة الميالين في الجهاز العصبي المركزي.

رصد الباحثون روابط وثيقة بين تراجع ذلك الخطر لدى المشاركين ومستوى التزامهم بالحمية المتوسطية الغنية باللحوم الحمراء.


النتائج والخيارات


كشفت النتائج تراجعاً في مستوى الخطر بنسبة 37% لدى المشاركين في الفئة الثانية، وبنسبة 52% في الفئة الثالثة، وبنسبة 42% في الفئة الرابعة. تكون هذه النتائج مساوية لتراجع الخطر بنسبة تتراوح بين 2 إلى 4% و1 إلى 2.5% إذا كان أقرباء المشاركين من الدرجة الأولى مصابين بالتصلب المتعدد، وبنسبة تتراوح بين 30 إلى 50% و14 إلى 32% عند إصابة التوائم المتطابقة للمشاركين بالتصلب المتعدد.

كانت بلاك قد نشرت سابقاً نتائج مبنية على بيانات مأخوذة من «الدراسة الأسترالية المتعددة المراكز للبيئة والوظيفة المناعية»، علماً أنها رصدت تراجعاً في خطر إزالة الميالين في الجهاز العصبي المركزي بنسبة 50% لدى المشاركين الذين تبنّوا حمية صحية. كذلك، نشرت بلاك سابقاً نتائج استهلاك اللحوم الحمراء كعامل مؤثر مستقل، لا كجزءٍ من حمية متوسطية، بالنسبة إلى خطر إزالة الميالين في الجهاز العصبي المركزي.

توضح بلاك: «نتائجنا مهمّة بالنسبة إلى الأشخاص الأكثر عرضة للتصلب المتعدد، أي عند وجود أقرباء مصابين بالمرض مثلاً. تحلل أبحاث أخرى الرابط القائم بين استهلاك اللحوم الحمراء غير المُصنّعة ومشاكل صحية شائعة بين عامة الناس».

لكن، لا توافق الجهات جميعها على صحة الروابط بين اللحوم الحمراء والمنافع الصحية. فقد صنّفت «منظمة الصحة العالمية» اللحوم الحمراء جزءاً من المأكولات «السرطانية المحتملة» بالنسبة إلى البشر في عام 2015.

ورصد الباحثون سابقًا زيادة معتدلة في خطر الوفاة ضمن فئة الأشخاص الذين استهلكوا حصصاً صغيرة من اللحوم الحمراء غير المُصنّعة، بكمية تصل إلى 65 غراماً كحد أقصى يومياً.

في النهاية، تبقى الخيارات الغذائية معقدة، وتتوقف على ما يفضّله كل شخص وعلى التأثيرات الثقافية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية. تكثر الأدلة التي تربط بين الحمية الصحية والمنافع الإيجابية على المدى الطويل، لكن لم يُؤكَّد بعد مستوى تأثير اللحوم الحمراء غير المُصنّعة في تدابير الوقاية من التصلب المتعدد.