عبده جميل غصوب

ملاحظات على القرار الإعدادي الصادر عن مجلس شورى الدولة في الرقم 179/2022 – 2023

26 حزيران 2023

16 : 46

أ ـ بتاريخ 20/5/2022 أصدر مجلس الوزراء قرارا يحمل الرقم 3 ـ المحضر رقم 32 تاريخ 20/5/2022 تضمّن الموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي بناء على نتائج التدقيق الخاص، والغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية تجاه المصارف بغية تخفيض العجز في رأسمال مصرف لبنان. كما تضمن اغلاق صافي مركز النقد الاجنبي المفتوح للمصارف لدى مصرف لبنان Net – Open FX position .


ب ـ ان القرار المطعون فيه هو قرار اداري نافذ وضار بمنطوق المادة 105 من نظام مجلس شورى الدولة، اذ ان القرار صدر من ضمن الموافقة على استراتجية النهوض بالقطاع المالي. ولكنه أتى بعد قيام الدولة اللبنانية بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرف بها وتملكها بين العامين 2010 و2021 دون الاعلان عن ذلك في حينه. فيكون القرار المطعون فيه لا يتعلق بعمل مستقبلي تنوي الحكومة القيام به، بل هو قرار استلحاقي a posteriori أتى بمفعول رجعي لاعلان تملك الدولة للودائع. وانتهت من تنفيذه دون ان تسميه في حينه كذلك. فأصبح بموجب القرار المطعون فيه تملكا نهائيا. وبالتالي فان القرار المذكور نافذ فورا. ويعفي تاليا مصرف لبنان من التزاماته تجاه المصارف اللبنانية. وبالتالي يعفي الدولة اللبنانية من موجب دفع المبالغ التي استدانتها من مصرف لبنان !


ج ـ أضافت جمعية مصارف لبنان لهذه الجهة، بانها لا تطعن اطلاقا بخطة التعافي التي أقرتها الحكومة، بل هي دعمتها بموجب بيانها تاريخ 22/5/2022. وان إعتراضها محصور ببند منفصل عنها متعلق بقرار مستقل عن العمل الحكومي وعن الاتفاق الدولي. وهو قرار الدولة باعفاء ذاتها من موجب رد الودائع الخاصة التي استلفتها من مصرف لبنان وتحميل فئة من الناس، هم المودعين لدى المصارف الخاصة، اعباء الدولة اللبنانية. وان مراقبة القضاء الاداري لقانونية القرار الاداري المشكو منه، المتضمن المسّ بالملكية الخاصة امر مستقل تماما عن المفاوضات التي تجريها الدولة مع صندوق النقد الدولي. وقد كرّس مجلس الدولة الفرنسي مبدأ جواز فصل بند او جزء عن القرار الحكومي، عندما يشكل بذاته قرارا اداريا نافذا مستقلا، غير متعلق بعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية او بعلاقات الدولة الخارجية.


د ـ طلبت المستدعى ضدها الدولة اللبنانية رد المراجعة شكلا مدلية باستقرار الاجتهاد على اعتبار الاعمال التحضيرية والتمهيدية والمراسلات والتدابير الداخلية الصرف والتوجيهات والتعليمات الداخلية الصادرة عن الادارة، من قبيل الاعمال والاجراءات الداخلية المحضة الممهدة للقرار النهائي. وهي غير نافذة وغير قابلة للطعن. واضافت الدولة اللبنانية بان قرارات مجلس الوزراء بعد تعديل الدستور في العام 1990، اصبحت قابلة للطعن فقط اذا كانت قرارات ادارية نافذة وضارة. ولكن القرار المطعون فيه متعلق بسياسة الحكومة العامة تطبيقاً للمادة 65 من الدستور وبالتالي غير قابل للطعن.


واضافت الدولة اللبنانية بان القرار المطعون فيه يأتي في سياق " استراتيجية النهوض بالقطاع العام " و" مذكرة بشأن السياسات الاقتصادية والمالية واستراتيجية النهوض بالقطاع المالي ". وهذا يعني انه لم يصدر بعد اي قرار اداري نافذ وضار يرتب نتائج نهائية لكي يجوز الطعن به، بل يأتي في اطار رسم الحكومة لسياستها المالية وفقا للمادة 65، فقرة أولى من الدستور. هذا فضلا عن ان الاستراتيجية المذكورة تتطلب موافقة مجلس النواب.


هـ ـ اعتبر مجلس شورى الدولة انه مختص للبت بالطعن من جهة. كما اعتبر من جهة ثانية ان القرار قابل للطعن.


ان القرار يستوجب ابداء الملاحظات على ثلاث مستويات:


صلاحية مجلس شورى الدولة في البت بالطعن (اولا) وقابلية القرار للطعن ( ثانيا ) وتقييم القرار من الوجهة المصرفية ( ثالثا ).


اولا: صلاحية مجلس شورى الدولة في البت بالطعن:


1 – أثار مجلس شورى الدولة في مرحلة أولية الفقرة الثانية من المادة 67 من نظامه التي تنص انه " لا يجوز لاحد من الافراد ان يتقدم بدعوى امام القضاء الاداري الا بشكل مراجعة ضد قرار صادر عن السلطة الادارية ". كما ان المادة 105 من النظام عينه تنص انه " لا يمكن تقديم طلب الابطال بسبب تجاوز حد السلطة الا ضد قرارات ادارية محضة ... ولا يجوز في اي حال قبول المراجعة بما يتعلق باعمال لها صفة تشريعية او عدلية".


ثم بعد استعراضه للآراء الفقهية والاجتهادات القضائية، ذهب قرار مجلس شورى الدولة في تعليله نقطة الاختصاص الى أبعد من التعليل الذي ساقته جمعية مصارف لبنان. فهذه الاخيرة طلبت فصل الفقرة المطعون فيها، المتعلقة بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان وتملكها والتصرف بها واغلاق صافي مركز النقد الاجنبي المفتوح للمصارف لدى مصرف لبنان عن استراتيجية النهوض بالقطاع المالي الشاملة، توصلا الى طلب ابطالها واعتبارها عملا منفصلا عن قرار مجلس الوزراء، المتضمن الموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي. فتكون جمعية مصارف لبنان قد أقرت ضمنيا بأن القرار بمجمله يشكل عملا حكوميا. وان الفقرة المطعون بها تشكل بذاتها عملا اداريا منفصلا عن القرار. وبالتالي قابلة للطعن على حدة بهذه الصفة.


بينما ذهب قرار مجلس شورى الدولة الى اعتبار ان استراتيجية النهوض بالقطاع المالي مرتبطة ببعضها البعض وغير قابلة للفصل لانها تؤدي معا خطة الحكومة في النهوض بالقطاع المالي. وتابع مجلس شورى الدولة انه " بما ان قرار مجلس الوزراء بالموافقة على خطة النهوض بالقطاع المالي، لا يندرج ضمن لائحة الاعمال الحكومية المستخرجة من اجتهاد القضاء الاداري كونه لا يدخل في سياق علاقات السلطات الدستورية في ما بينها، كما لا يتعلق بعلاقة الحكومة بالدول والهيئات الدولية. وانه لا يغيّر من ذلك، وجوب تدخل بعض السلطات لوضع بعض بنود الخطة موضع التطبيق ( السلطتين التشريعية والتنفيذية او غيرهما )، على اعتبار ان قرار مجلس الوزراء الذي يتبنى هذه الخطة من خلال الموافقة عليها، لا يدخل بحد ذاته ضمن علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية او ضمن علاقة مجلس الوزراء برئيس الجمهورية ".


وانتهى مجلس شورى الدولة الى رد الدفع بعدم صلاحيته للفصل بالمراجعة، واعلان صلاحيته للبت بها كون القرار المطعون فيه من عداد القرارات الادارية بمنطوق المادتين 67 و105 من نظام مجلس شورى الدولة.

بعبارة أخرى يمكننا القول بان جمعية مصارف لبنان، اعتمدت طريقة تجزئة الاعمال الحكومية وإعتبار بعض اجزائها اعمالا ادارية عادية قابلة للطعن بسبب تجاوز حد السلطة.


بينما اعتمد مجلس شورى الدولة طريقة أخرى مختلفة توصلا لهذه النتيجة، هي طريقة حذف بعض الاعمال من لائحة الاعمال الحكومية واخضاعها لرقابته.


لتقييم هاتين الوسيلتين غير المتعارضتين بل المتكاملتين، لا بد لنا من القاء نظرة ـ ولو سريعة ـ على نظرية الاعمال الحكومية .


2 – ان الاعمال الحكومية هي قرارات او اعمال تصدر عن السلطة التنفيذية او عن موظفيها ولا تخضع لرقابة القضاء الاداري.


للاعمال الحكومية هنا مفهوم خاص، فهي لا تعني، كما يتبادر للذهن، كل عمل يصدر عن الحكومة، بل يقصد بها بعض الاعمال التي لا تقبل الطعن لابطالها عن طريق قضاء الابطال، ولا للمطالبة بتعويض عن طريق القضاء الشامل. تشكل هذه النظرية استثناء لمبدأ الشرعية.


ولكن ما هو المقياس الذي يمكّن من وصف العمل بانه عمل حكومي ؟


اعتمد الاجتهاد في بادىء الامر نظرية الدافع السياسي، ثم نظرية العمل الحكومي بطبيعته، الا انه عدل لاحقا عن هذين المقياسين مكتفيا بوضع لائحة بالاعمال التي يعتبرها اعمالا حكومية. وصار يحذف منها تباعا اعمالا كثيرة، بحيث صارت هذه اللائحة تضم الآن فئة قليلة من الاعمال الحكومية . تعتبر اعمالا حكومية الاعمال التي يرى مجلس شورى الدولة انه لا يجب إخضاعها لرقابة القضاء. وقد وضعت لائحة بهذه الاعمال، الا ان مجلس شورى الدولة صار يحذف منها تباعا بعض الاعمال، لا سيما عندما كان يلتمس ضعفا في السلطة التنفيذية. والآن تضم هذه اللائحة ثلاثة انواع من الاعمال. الاول يتعلق باعمال السلطة التنفيذية في علاقاتها مع المجلس النيابي، والثاني يتعلق بعلاقات الدولة مع الخارج اي الاعمال الدبلوماسية والثالث الاعمال الحربية. فقد قرر مجلس شورى الدولة في قراره الراهن " ان قرار مجلس الوزراء بالموافقة على خطة النهوض بالقطاع المالي، لا يندرج ضمن لائحة الاعمال الحكومية المستخرجة من اجتهاد القضاء الاداري، كونه لا يدخل في سياق علاقات السلطات الدستورية في ما بينها. كما لا يتعلق بعلاقة الحكومة بالدول والهيئات الدولية. وانه لا يغيّر من ذلك، وجوب تدخل بعض السلطات لوضع بعض بنود الخطة موضع التطبيق ( السلطة التشريعية والتنفيذية او غيرهما )، على اعتبار ان قرار مجلس الوزراء الذي يتبنى هذه الخطة من خلال الموافقة عليها، لا يدخل بحد ذاته ضمن علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية او ضمن علاقة مجلس الوزراء برئيس الجمهورية ".


ان ما ذهب اليه مجلس شورى الدولة في قراره يتكامل ولا يتناقض مع طلب جمعية مصارف لبنان، بفصل نقطة " مصادرة " احتياط المصارف لدى مصرف لبنان بالعملة الاجنبية واغلاق حساباتها في مركز القطع لديه؛ لانه بالنهاية وان اعتبر ان قرار مجلس الوزراء المتعلق باستراتيجية خطة النهوض بالقطاع المالي، مشمولة كلها برقابته، الا ان المطلوب ابطاله لم تكن الخطة بكاملها، بل فقط " مصادرة " ودائع المصارف لدى مصرف لبنان بالعملة الاجنبية.


ان نظرية الاعمال الحكومية في " تقهقر" مستمر. وان عدد الاعمال الحكومية آخذ بالتناقص. ولائحة هذه الاعمال التي وضعها الاجتهاد الاداري، " تضمر" تدريجيا . وتوصلا الى هذه الغاية، يلجأ مجلس شورى الدولة الى أربع طرق:


في الاولى: يحذف من لائحة الاعمال الحكومية بعض الاعمال ويخضعها لرقابته.

في الثانية: يعمد الى فصل الاعمال التطبيقية عن العمل الحكومي ويعتبرها اعمالا ادارية عادية تقبل الطعن بسبب تجاوز حد السلطة.


في الثالثة: يسلم بمسؤولية السلطة العامة في بعض الاعمال الحكومية.


في الرابعة: ينزل المعاهدات منزلة القانون الداخلي.


طالبت جمعية المصارف بالطريقة الثانية ، فاختار مجلس شورى الدولة الطريقة الاولى.


ولكن النتيجة تبقى ذاتها.


ثانيا: قابلية القرار للطعن:


1 ـ أدلت الدولة اللبنانية في سياق اعتبارها ان القرار غير قابل للطعن بعدم تمتعه بصفتي النفاذ والضرر باعتباره من الاعمال التمهيدية والتحضيرية.


2 ـ رد مجلس شورى الدولة ان استراتيجية النهوض بالقطاع المالي وان كانت تعد من عداد القرارات او المستندات ذات الطابع العام،Documents de portée générale ، الا ان موافقة مجلس الوزراء عليها بموجب قراره موضوع الطعن، يفيد تبني الحكومة للخطوات الواردة فيها وللمبادىء التوجيهية التي تحكم تنفيذ هذه الخطوات من قبل الجهات المعنية بتطبيقها، ما يجعلها من عداد القرارات النافذة والضارة، القابلة للطعن امام مجلس شورى الدولة بمنطوق المادة 105 من نظامه، لا سيما وان تلك المبادىء والاحكام في شقها المتعلق بالبند المطعون فيه ـ المتضمن الغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملة الاجنبية تجاه المصارف ـ من شأنها التأثير بشكل ملحوظ على اوضاع المصارف المعنية به والتي تتولى جمعية مصارف لبنان الدفاع عن مصالحها.

وأضاف مجلس شورى الدولة انه لا يغيّر من ذلك الصيغة المعتمدة في صياغة الخطة ـ لناحية استخدام عبارات مثل " سوف نعيد ... سوف نلغي ... سيتم ..." – والتي تفيد بان الخطة الموافق عليها بقرار مجلس الوزراء مرتبط نفاذها بحلول اجل ما يتوقف عليه استحقاق الموجبات الواردة فيها، لان هذا الاجل لم يحدد في متن الخطة، وان الاجتهاد مستقر على اعتبار انه في حال سكوت السلطة الادارية عن تحديد الاجل، يجب العودة الى قواعد القانون العام ( قانون الموجبات والعقود ) التي تحكم موضوع الموجبات ذات الاجل المؤجل ( الفصل الثاني من الباب العاشر من قانون الموجبات والعقود )، والتي بمقتضاها يكون الموجب ( اي القرار ) نافذا فورا في حال عدم ارتباطه بأجل معيّن بالذات او يمكن استنتاجه من ماهية او معطيات القضية ( المادة 101 موجبات وعقود) ، كما في الحالة الحاضرة.


وختم مجلس شورى الدولة انه يقتضي تبعا لما تقدم، وطالما ان قرار مجلس الوزراء غير مرتبط بأجل محدد ويعد قرارا نافذا بصورة فورية، رد الدفع بعدم قابلية القرار المطعون فيه للطعن.


3 ـ ان قرار مجلس الشورى جدير بالتأييد لهذه الناحية ايضا لسببين: لان قرار مجلس الوزراء موضوع الطعن هو نهائي وغير مربوط بأجل، ولانه الحق ضررا فعليا وحالا بالمصارف اذ برر " مصادرة " الدولة اللبنانية لودائع المصارف لدى مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، وهي ودائع عائدة اصلا للمودعين. وهذا ما سيؤدي الى مطالبة هؤلاء المصارف بان تعيد لهم ودائعهم " المصادرة " من قبل الدولة اللبنانية تحت يد مصرف لبنان ! ما سيجعل المصارف المسؤولة الوحيدة عن " الكارثة " امام المودعين. وهذا خطأ فادح، دعونا وما زلنا ندعو الى تلافيه.


ثالثا: تقييم القرار من الوجهة المصرفية:


1 ـ جاء في مقال مميز للبروفسور نصري انطوان دياب وتحت عنوان " معركة حماية الودائع المصرفية " ما يلي:


"جاءت الحقيقة المرة بقلم نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور سعاده الشامي، الذي كلف من قبل مجلس الوزراء بالمهمة الشاقة وغير الشعبية ( والتي قبل تحمل مسؤوليتها وعبئها الثقيلين، وهو من عمل ربع قرن في صندوق النقد الدولي )، المتمثلة باعداد هذه المشاريع ومناقشتها مع الجهات المعنية في لبنان والخارج ".


ويضيف البروفسور دياب بان الحكومة أقرت رسميا في ورقة " الاستراتيجية " بأن " الفجوة " في القطاع المصرفي ناجمة عن " سياسات مالية غير منتظمة على مدى سنوات عدة، وعن خسائر ضخمة تكبدها مصرف لبنان نتيجة قيامه بعمليات مالية هدفت الى جذب تدفقات رأس المال للحفاظ على سعر الصرف الثابت المبالغ في قيمته ولتمويل العجز في الموازنة".


هذا الاقرار الرسمي ـ يضيف البروفسور دياب ـ لا يثبت فقط ان المودعين غيــــر مسؤولين عن " الفجوة" بل ايضا انهم ليسوا المستفيدين ( الوحيدين ) منها، اذ ان جميع المقيمين على الاراضي اللبنانية استفادوا منها لتثبيت سعر صرف الليرة وتمويل عجز الموازنة والكهرباء ودعم الاستيراد على انواعه والادوية وفواتير المياه والهاتف وسواها .


ويتابع البروفسور دياب، ان تحميل المودعين وحــــدهم، على اموالهم الخاصـــــة عبء


" الفجوة "التي استفاد منها جميع المقيمين في لبنان، يشكل خرقا فاضحا لاحكام المادة 7 من الدستور التي تنص على مساواة اللبنانيين امام القانون. ويختم البروفسور دياب انه - في حال اقرار ورقة استراتيجية النهوض بالقطاع المالي – تكون السلطة قد أقرت بان قسما كبيرا من الودائع قد أهدر. وانها تعمل لالغاء الودائع وان هدر الودائع جرم والغاءها جرم آخر يغطّي الاول !


2 ـ لقد بات القاصي والداني يعلم في لبنان بان الدولة اللبنانية تسعى جاهدة، وتحت عناوين مختلفة، الى " التملص " من مسؤولية الانهيار المالي الذي نعيشه، تارة عبر استراتيجيتها المالية المستهجنة الهادفة الى " مصادرة " اموال المودعين، وطورا برمي كرة النار بين المصارف والمودعين، محاولة اظهار ذاتها وكانها شخص ثالث غير معني بالصراع القائم بين المصارف والمودعين.

ان الدولة اللبنانية هي المسؤول الاكبر عن حالة الانهيار المالي التي وصلنا اليها، بسبب سياساتها الآنية، غير المدروسة والاعتباطية والتي كان هدفها جعل المواطنين " ينامون على حرير " وينعمون بتثبيت سعر صرف الدولار الاميركي على معدل غير منطقي، في حين ان "جسدنا المالي والاقتصادي" كان يتآكل من الداخل. ثم استيقظنا ذات يوم،على مأساة اقتصادية لم يشهد لبنان مثيلا لها منذ نشوئه. وها هو القضاء اليوم يثبت مرة أخرى انه الملاذ الاخير.


قال البروفسور نصري انطوان دياب في حديثه الى محطة Ici Beyrouth بتاريخ 22 حزيران 2023 ( بالفرنسية ) ان قرار مجلس شورى الدولة هو " الفرملة " الاولى لتدابير الحكومة اللبنانية الهادفة الى اقتطاع الودائع ( Haircut ).وهذا صحيح بل مؤكد.


اذا كان صحيحا ان قرار مجلس شورى الدولة اقتصر على بحث نقطتي الصلاحية وقابلية قرار مجلس الوزراء للطعن، فان الصحيح ايضا ان توجهه ينبىء بالخير. واذا كان واجبا علينا عدم استباق نتائج القرارات القضائية، فان من حقنا دائما ان " نحلم " بالعدالة.


اليس " الحلم " جزءا من طبيعتنا الانسانية ؟

MISS 3