روبي غرامر

تمرّد بريغوجين:كيف وصل الوضع إلى هذه المرحلة؟

27 حزيران 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

عناصر من قوات «فاغنر» في أحد شوارع مدينة روستوف أون دون الروسية | 24 حزيران ٢٠٢٣

إتخذت الحرب الروسية في أوكرانيا منحىً دراماتيكياً يوم الجمعة الماضي، حين بدأ عناصر من القوات الروسية ينقلبون على بعضهم، فأججوا بذلك المخاوف من إطلاق محاولة انقلاب على يد قائد روسي قوي للمرتزقة وواحد من الحلفاء السابقين للرئيس فلاديمير بوتين.

سيطرت قوات يفغيني بريغوجين على مدينة «روستوف أون دون» الروسية الجنوبية، فضلاً عن أجزاء من مقرات القيادة العسكرية الروسية في جنوب روسيا، بعدما اتّهم الجيش الروسي بقصف قواته الخاصة. في خطاب علني قصير يوم السبت، تعهد بوتين باتخاذ «خطوات حاسمة» ضد بريغوجين، رئيس «مجموعة فاغنر»، رداً على ما اعتبره تمرداً خائناً. لكن في وقتٍ لاحق من ذلك اليوم، أعلن بريغوجين أنه يتجه إلى سحب قواته العسكرية التي كانت تزحف نحو موسكو بعد التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة، بوساطة من بيلاروسيا كما ذكرت التقارير. لكن لم يتّضح حتى الآن ما فعله بريغوجين لإخراج نفسه من الأزمة بعدما اتّهمه بوتين علناً بالخيانة.

لفهم هذه الأزمة والصدمات التي تستطيع إحداثها في أوساط النُخَب الروسية، قابلت صحيفة «فورين بوليسي» تاتيانا ستانوفايا، خبيرة في السياسة الروسية في منظمة «كارنيغي للسلام الدولي» ومؤسِّسة شركة التحليل السياسي المستقلة R.Politik. حصلت هذه المقابلة قبل أن يعلن بريغوجين سحب قواته.

ما هو تقييمكِ للمزاج السائد وسط النُخَب الروسيـــــة وأوســـــاط بوتيـــــن الداخلية في موسكو الآن؟

إعتبر الكثيرون بريغوجين مصدر تهديد في مؤسسات الدولة، وأجهزة الأمن الحكومية، والإدارة الرئاسية. تفاجأ البعض أو ارتبك بسبب قدرة بوتين على تحمّل ما حصل. تكلم الناس عن بعض الأجندات الخفية المحتملة. لقد تعقبنا شائعات مفادها أن الكرملين يتحكم ببريغوجين بحذر وأنه لن يخرج يوماً عن السيطرة. لكننا نلاحظ الآن أن العكس صحيح.

قد نشاهد قريباً ردة فعل ذات طابع قمعي مضاعف ضد جميع مكونات شبكة «فاغنر» وبنيتها التحتية. نتيجةً لذلك، سيصبح الأشخاص المرتبطون ببريغوجين أكثر ضعفاً وسيضطرون لإثبات ولائهم لبوتين.

هل يطرح هذا الوضع تهديداً مباشراً على سلطة بوتين؟

لا أظن أن ما يحصل يطرح تهديداً خطيراً وفورياً على نظام بوتين أو سلطته، لكنه يشكّل ضربة موجعة لسمعته وصورته حتماً. قد يتمادى بريغوجين في تحركاته بسبب غياب أي ردة فعل من بوتين على فيديوهاته وتصريحاته ضد الجيش الروسي ومواقفه الجريئة لأقصى حد.

لهذا السبب، يتحمّل بوتين المسؤولية بنظر النخبة الروسية. يشعر هؤلاء الآن بأن كل شيء بدأ ينهار: كيف وصل الوضع إلى هذه المرحلة؟ أين هو الاستقرار؟ أين هو بوتين؟ يواجه نظام بوتين إذاً موقفاً غير مألوف. كانت النُخَب قبل هذا الحدث تشعر بأن بوتين هو ضامن الدولة القوية والاستقرار.

ما هي نهاية لعبة بريغوجين؟


في البداية، حين نشر مقابلة وفيديو حيث يقول إن الجيش هاجم قوات «فاغنر»، أظن أنه أراد بذلك أن يهاجم [وزير الدفاع سيرغي] شويغو و[رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري] غيراسيموف حصراً.

ثم تغيّرت الظروف بطريقة جذرية، ووصلنا إلى هذا الوضع حين تبيّن أنه يفتقر إلى دعم شخصيات مؤثرة في موسكو. أظن أنه كان يتكل على بعض الدعم على الأقل. كان يتوقع على الأرجح أن يجد بوتين نفسه في موقفٍ يفرض عليه أن يدعم بريغوجين ويتخلص من شويغو. إنه سوء تقدير هائل من جانبه.

عندما ألقى بوتين خطابه أمام الروس وتكلم عن الخيانة، اعتُبِر هذا الموقف نقطة محورية بالنسبة إلى بريغوجين، حيث تحوّل الصراع إلى مشكلة شخصية مع بوتين. اتّضح حينها أن إصلاح الوضع أصبح مستحيلاً. اليوم، بات بريغوجين متروكاً، وتشير جميع السيناريوات الواقعية إلى احتمال تدميره بالكامل.

ما هي فرص نجاح «مجموعة فاغـــــنر» أو احتمال أن يخرج بريغوجين سالماً بعد هذا التمرد؟


بكل صراحة، أظن أن احتمال بقاء بريغوجين على قيد الحياة ضئيل جداً. أوضحت السلطات الروسية ضرورة القضاء عليه. تتعلق المسألة الأساسية إذاً بتحديد توقيت التحرك وثمن ما حصل. لكنهم سيحاولون إيجاد أي مَخرج ممكن لإنهاء الأزمة.


هل يملك بريغوجين أي دعم من النُخَب الأخرى في موسكو أو في أوساط بوتين الداخلية؟

لا أظن ذلك. حاول عدد من المحلّلين الآخرين إقناعي بأن بريغوجين يحظى بدعم البعض في موسكو. لكني لا أعرف أحداً منهم. نعرف أن بريغوجين لديه بعض المعارف في خدمة الحراسة الاتحادية المسؤولة عن أمن بوتين الشخصي. لكن هل يمكن أن ينتقل أي منهم لدعم بريغوجين؟ هذا الاحتمال يبدو لي مستحيلاً.

كان أنطون فاينو، رئيس الأركان في فريق بوتين، يضطلع في معظم الأوقات بدور الوسيط بين بوتين وبريغوجين، لا سيما خلال الحرب السورية. لكنه ينفذ أوامر بوتين بكل بساطة، وهو سيقوم بما يطلبه منه بوتين في مطلق الأحوال.

يصعب أن أتصور أن أي شخصية قوية ومنطقية في موسكو اليوم ستختار دعم بريغوجين. سيكون هذا الموقف أشبه بالانتحار. ستحاول هذه النُخَب التي حافظت على علاقاتها مع بريغوجين إثبات عدم ارتباطها به على الأرجح، وستدين أفعاله لإبعاد نفسها عن كل ما يحصل.

نفذت «مجموعة فاغنر» عمليات خارج أوكرانيا، بما في ذلك سوريا، ومالي، وجمهوريــــة أفريقيــــــــا الوسطى، والســــــــودان. كيف يمكــــــــــن أن يؤثـــر هذا الوضع على بصمة «فاغنر» حول العالم؟


أشكّ في أن تتمكن «مجموعة فاغنر» من تجنب التفكك والدمار بعد كل ما حصل. في المرحلة اللاحقة، سيقرر بوتين مصير بقاياها في مختلف البلدان. أظن أنهم سيحاولون الحفاظ على الموارد والعناصر البشرية والبنية التحتية التي تملكها «فاغنر» في الخارج، وسيقيّمون وضع الموارد والقوات العسكرية التي تستحق الحماية ويمكن السيطرة عليها. لكنهم سيتخلصون من العناصر المتبقية.

في بلد استبدادي حيث يتعــــــرض المعارضــــــــون للقمع، لماذا سُمِـــــــــــح لبريغوجيـــن بانتقـــــــــاد الجيش لهذه الدرجة قبل انفجار الأزمة الآن؟

كان بوتين يعتبر بريغوجين رجلاً وطنياً حقيقياً وممثلاً للمجتمع المدني الروسي، علماً أن هذا المجتمع المدني يشعر بالقلق من الاستراتيجية الروسية المعتمدة. لهذا السبب، كان هذا الوضع مؤلماً جداً بالنسبة إلى بوتين، وهو ما دفعه إلى اعتبار ما حصل «طعنة في الظهر» من شخصٍ اعتبره بوتين رجلاً وفياً ووطنياً.

أصبحت إدارة الرئيس والنُخَب الأمنية مكبّلة لأنها لم تحصل على أي مؤشر من بوتين لإبلاغها بأنها تملك حق التحرك ضد بريغوجين، مع أنها كانت ترغب في ذلك. هذا ما دفعهم إلى تحمّله. حتى أن بعضهم أقنع نفسه بأن بريغوجين هو شخص مفيد للنظام.

شعر بريغوجين بأنه يملك مجالاً للمناورة، فبدأ يتجاوز الحدود ولم يواجه لاحقاً أي ردة فعل أو مقاومة. لكن بدأ هذا الوضع يتغير في الأسابيع الأخيرة، حين طُرِد من أوكرانيا وتلاشت فرص عودته. حتى أنه خسر فرصة أن تُجنّد السلطات الناس في مناطق أخرى من روسيا ولم يُسمَح له بالظهور على قنوات التلفزة، فشعر بأنه أصبح ضعيفــــاً سياسياً أمام نظام قمعي ضخم لم يتردد في حشد قواه ضده.

لهذا السبب، اضطر للتحرك وأظن أنه توقّع في البداية أن يتحرك بوتين عبر اتخاذ خطوات تصبّ في مصلحته.

ما هي أبرز الأحداث المرتقبة في المراحل المقبلة؟

ما أحاول فهمه في المقام الأول هو احتمال أن تُعمّق هذه الأزمة الانقسام داخل المجتمع الروسي. يتكلم الناس بوتيرة متزايدة عن اندلاع حرب أهلية محتملة بسبب هذا الانقسام، حيث يدعم جزء من المجتمع بريغوجين ويشعر بالقلق من مسار الحرب التي يخوضها جيش فاسد وغير كفوء. على الجانب الآخر، يتكلم البعض عن ضرورة دعم الدولة والوقوف إلى جانبها في جميع الظروف وأهمية ترسيخ قوتها مهما حصل.

لقد بدأنا نشاهد مؤشرات على حصول ذلك. يمكن رصدها في بعض قنوات «تلغرام» الروسية، حيث يتساءل الناس: «لماذا رفضت السلطات التحاور مع بريغوجين؟

هو يستحق ذلك». أخشى أن تؤجّج هذه الأزمة مشاعر البغض إذا انتهت بطريقة مريرة.


MISS 3