حارث سليمان

ردُّ ثانٍ على محمد علي مقلد في أي دينامية ينخرط "حزب الله"!؟ ذلك هو المعيار

8 نيسان 2020

03 : 35

"حزب الله" يتولى مهمة رأس الحربة في الهيمنة الإيرانية

اخشى ان نكون نهادن استمرار مرض راهن بالتذكير بوجود امراض سابقة. رغم ان توصيف الوقائع صحيح من خلال منهج تحليلي يفكك الوقائع ويشرحها، لكن المقالة تفتقد الاشارة الى مسألتين غاية في الاهمية؛

* موقع "حزب الله" راهناً كـ"رأس مقرر" لسلطة المحاصصة والفساد وهو يتولى ادارة النظام وضبط موازينه. في حين ان الناصرية والبعث والشيوعيين وحتى منظمة التحرير لم تصل للحظة واحدة الى موقع مقرر في رأس اي سلطة في لبنان.

* المسألة الثانية هي طمس الفارق الجوهري بين (طبيعة ارتباط) حزب الله بايران من جهة وبين اختلاف "طبيعات ارتباط" الشيوعيين والناصريين والبعثيين مع رعاتهم الخارجيين، ويحتوي هذا الفارق الجوهري طبيعة الدور المطلوب من الاصيل الى الوكيل. فماذا طلب صدام حسين من بعث العراق في لبنان وماذا طلب ناصر من ناصريي لبنان وماذا طلب الاسد من بعثييه في لبنان وماذا طلبت موسكو من شيوعيي لبنان، طبعاً كانت هناك مطالب، لكن مجموع الادوار المطلوبة لم تتعد حدود لعبة سياسية اعلامية محدودة التأثير، المشاريع الاساسية التي تشبه الهيمنة الايرانية هي ثلاثة؛ مشروع الاسد وقد نفذه الجيش السوري وليس البعث السوري، المشروع الاسرائيلي وقد نفذه الجيش الاسرائيلي، بتحالف مع بشير الجميل وغيره (وللدقة يجب التمييز بين مشروع بشير الذي يعيد النظر بالصيغة الميثاقية اللبنانية وبين المارونية السياسية التقليدية)، وتمت هزيمة المشروعين، بكلفة فادحة؛ هجرة، ضحايا، اقتصاد، نقد، دين، وفرص اقتصادية ضائعة.

المشروع الثالث هو الهيمنة الايرانية ويتولى مهمة رأس الحربة فيه "حزب الله" ليس في لبنان فقط بل في عموم المشرق العربي وصولاً لليمن.

هذا المشروع، أعاد تعريف المذهب الشيعي وقولبته عقائدياً، وأحدث تغييراً ثقافياً عميقاً في البيئة الشيعية فصلتها عن بقية الشعب اللبناني، ولم يقتطع حصة من مجال الدولة وحسب، كما فعلت الطوائفيات الاخرى، ومنها "حركة أمل"، بل اقام دويلة موازية تماماً للدولة الوطنية، دويلة مكتملة الابعاد من الدفاع والامن الى القضاء وتطبيق الشرع، الى السيادة على المعابر واستيفاء الرسوم وبناء مؤسسات التربية والصحة والاستهلاك والخدمات العامة كافة، وصولاً الى العلاقات الخارجية الدولية والتحالفات الاقليمية، وقلب لبنان من وطن الى متراس اقليمي. فتغيرت وظيفة الكيان في محيطه.

أما نقطة الانطلاق في رؤيتي لتشخيص العوامل المؤثرة في المجتمع السياسي والاقتصادي اللبناني، فهي انني اعتبر ان هناك تداخلاً او تشاركاً بين العوامل الداخلية اللبنانية وبين العوامل الاقليمية - عربية كانت ام ايرانية - والعوامل الدولية.

ولذلك لا بد لي من التصدي ورفض نوعين من المقولات:

الاولى قومجية، قومية، أو اممية تصف لبنان بانه كيان مصطنع لا قيمة له ولا امكان لحياته الا بضمه الى حضن اكبر منه في سورية الكبرى او الوطن العربي الكبير او جمهورية اسلامية عابرة للحدود سواء كانت داعشية او خامنئية، بهذا الموقف فقط من الوطن اللبناني قد يتشابه "حزب الله" مع البعث والناصرية والقوميين السوريين. جوهر هذه المواقف ان لبنان ليس وطناً بل هو كيان مصطنع انتجته مؤامرة استعمارية وخطأ تاريخي تمادى في العيش خلافاً لمنطقهم. كيان كهذا لا يمتلك داخلاً، لان حدوده مصطنعة او هشة، "حزب الله" جزء من هذا المنطق لذلك يعتبر لبنان ساحة.

المقولة الثانية والتي ارفضها ايضاً بنفس قوة رفضي للمقولة الاولى هي اعتبار لبنان وطناً منجزاً وارضاً لتجمع الاقليات الدينية والعرقية في الشرق وملجأ لكل مطرود من ارضه في العالم الاسلامي وان دوره يتأكد بعزل نفسه عن محيطه، وأن استمراره واستقلاله مشروط بضعف دول الجوار ومنعهم من ابتلاعه. جوهر هذه المقولة ان "قوة لبنان في ضعفه" اي أن هشاشة لحمته الداخلية وتفككه الاجتماعي، حصانتهما حماية خارجية مشتهاة من عسف الداخل العربي والاسلامي، وانه يكفي ان تنقطع ازمات المنطقة عن تخريب واقعه السياسي والاهلي، لينعم بحياة داخلية واقتصادية سليمة ومزدهرة.

هذا ما أرفضه اما ما أتبناه ايجاباً وبحكم رؤيتي للعوامل المؤثرة في واقعنا اللبناني فيتلخص بأمور ثلاثة:

الأمرالاول ان لبنان ليس واقعاً لبنانياً داخلياً بحتاً، وليس داخلاً يتأزم فيستدعي خارجاً يتدخل، بحيث نستنتج ان صناعة وفاق داخلي عبر تسويات لبنانية نبيلة، يمكن ان تقلص وتمنع تدخلاً خارجياً قائماً او محتملاً.

الأمرالثاني واعتقد انه جوهر خلافي مع د. محمد علي مقلد، هو ان تثقيل العوامل الداخلية بمواجهة العوامل الخارجية المؤثرة في الواقع اللبناني، هو مسألة دينامية متغيرة ومتطورة، بحيث ان وزن العوامل الداخلية مقارنة بوزن العوامل الخارجية لا يمكن أن يقيم لمرة واحدة في كل زمان ومكان، وعليه فان هذه المسألة ليست شأناً فكرياً نظرياً، بل هي قياس تجريبي في كل مرحلة من المراحل. الداخل اللبناني يمكن صناعته وهذا ما جرى خلال مئة سنة من عمر لبنان حيث ان الكيان الذي ولد هشاً ومرفوضاً، اصبح وطناً لجميع ابنائه، لكن هذا الداخل ايضاً يمكن ان يفكك ويتم تدمير وظائفه ومكوناته ايضاً، بمعنى ان لبنان وطن يمكن بناؤه كل يوم ويمكن تفكيكه وتجزئته كل يوم ايضاً.

وأن قيام الدولة وسيادتها على حدودها وداخل حدودها هي اهم محرك لبناء الوطن، اما المحرك الاساسي الآخر فهو وظيفته الاقتصادية في محيطه.

الامر الثالث وهو استنتاج عياني لما سبق، ويتجلى بالسؤال الجوهري: في أي موقف نحن اليوم من دينامية بناء - تفكيك الوطن اللبناني؟ ولبنانية اي طرف سياسي وكذلك لبنانية "حزب الله"، ليس في بطاقات هوية افراده، بل ان معيار لبنانيته هو مدى انتسابه الفعلي لدينامية واحدة من اثنتين؛ دينامية التفكيك أم دينامية البناء؟.


MISS 3