طوني عطية

الـAUB وقصّة العبور القبرصي: جنسيات عالمية تلتقي في أيلول

14 تموز 2023

02 : 00

مجسّم ثلاثي الأبعاد لحرم الجامعة

على عكس الإتجاه الإنحداري الذي تسلكه الدولة بقطاعاتها ومؤسساتها كافّة، وتصدّرها لوائح الفساد العالميّة وكلّ ما يتعلّق بمؤشّرات الإنهيار، حتى باتت مضرباً للفشل، ومن على شرفة البحر الأبيض المتوسّط، الذي أصابته أيضاً «لعنة الموت» وازدحام عبابه بمواكب الغرق في مراكب العبور غير الشّرعي، وثبت الجامعة الأميركية في بيروت، نحو الجارة البحرية الأقرب، متوّجة بذلك، مسيرتها الأكاديميّة الممتدّة لأكثر من قرن ونصف القرن، ما جعلها واحدة من أعرق الصروح العلمية في المنطقة والعالم. ولأن الطموح رديف النجاح، وضعت في حزيران الفائت الحجر الأساس لحرمها الجامعي الأول (خارج لبنان) في مدينة بافوس القبرصية، وحمل اسم «الجامعة الأميركية في بيروت – ميديترانيو» (AUB – Mediterraneo). إنها علامة شعاع في زمن الأفول، صورة حقيقية تُحاكي ريادة لبنان التاريخية والرسولية في الإبداع العلمي والثقافي، بدل استيراد الأزمات وتصدير القوى الحيّة (الشباب).

في حديث مع «نداء الوطن»، تطرّق المسؤول عن الجامعة الأميركية في بيروت – فرع قبرص، د. وسيم الحاج إلى مسار الرحلة نحو الجزيرة، والأسباب والدوافع التي أدّت إلى نشوء فرع بافوس. إذ أشار إلى أنّه «تكريساً لرؤيتها «Vital 2030»، عقب انتخاب رئيسها السادس عشر منذ تأسيسها في العام 1866، اللبناني الدكتور فضلو خوري (آذار 2015)، باشر في إعداد فريق عمل وتخطيط، من أجل الولوج في مشروع استراتيجي، يجيب عن تساؤلات حول ما تريده الجامعة للعام 2030؟ كيف ستواصل رحلتها الطويلة الزاخرة بالإنجازات وتحقيق الإستدامة والوصول إلى أكبر عدد من الطلّاب الراغبين في حمل اسمها الكبير جدّاً؟.

في هذا السّياق، برزت لدى الجامعة فكرة التوسّع خارجاً، أن يكون لديها حضور ما، أو حرم، أو إعطاء دروس «أونلاين» معيّنة تستقطب الطلاب. واستطرد الحاج مكرّراً أن القرار أتى قبل انفجار الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان (2019 – 2020). وعن اختيار قبرص، قال إنّ الحملة التي قمنا بها مع إحدى المؤسسات المرموقة عالمياً في هذا المجال، قد شملت 15 بلداً نذكر منها، المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتّحدة، مصر، قبرص، اليونان، المغرب، وغيرها من الدول. والهدف هو جذب الطلاب سواء أكانوا من الذين لا يعرفون الجامعة الأميركية في بيروت، أم الذين يريدون الدخول في حرمها، لكن ظروفنا المحليّة الداخلية لا تشجّعهم أو لا تسمح لهم بالتوجّه إلى لبنان».

وأوضح أن الخيار وقع على الدولة القبرصية العضو في الإتّحاد الأوروبي (هذا لا يعني أن التواصل مع الدول الأخرى قد توقّف)، التي أبدت اهتماماً لافتاً، كما أن المعايير والشروط المطلوبة، كالبنى التحتيّة المتطوّرة، والنموّ الاقتصادي، وتوفير الأمان والسلامة العامة، وموقع مدينة بافوس الصغيرة والقريبة من لبنان، وتقديم التسهيلات الإداريّة والبيروقراطية اللازمة لإنشاء الحرم الجامعي، كلّها عوامل ساهمت في حسن الإختيار. وكشف أن الجامعة كانت تستقطب في الماضي، العديد من الطلاب القبارصة، آخرهم كان في العام 1987. ولدى تواصلنا مع خرّيجينا القبرصيين ومن بينهم نوّاب ووزراء ورؤساء دوائر، أبدوا دعماً كبيراً لنا.



د. وسيم الحاج



ولفت د. الحاج إلى أنّ الـAUB سوف تستفيد من برنامج الإتحاد الأوروبي، الممتدّ من 2021 حتى 2026 وتبلغ موازنته حوالى 100 مليار يورو ويتعلّق بالوصول إلى المعلومات وتحفيز المشاركة التي تعمل على إحداث فرق في الحياة المدنية وتطوير مزيج من المعرفة والمهارات والقيم، مع العلم أن الجامعة الأميركية ناشطة منذ سنوات في هذا المجال.

وردّاً على سؤال حول مدى تأثير هذه الخطوة سلباً على الجامعة الأمّ، لناحية الطلاب الأجانب الذين كانوا يقصدون الجامعة الأميركية في بيروت، بأن تصبح بافوس وجهتهم الأكاديمية، أوضح الحاج «أن الـAUB تقدّم الكثير من المنح الدراسية لطلاب لبنانيين وعرب من فلسطينيين وسوريين، عبر برنامجي USAID وMEPI، وهي محصورة فقط في لبنان. في حين أن الأوروبيين، وعددهم قليل، يقصدون الجامعة الأميركية في بيروت، لدراسة مواضيع محدّدة جدّاً، كالعلوم السياسية والدراسات المتعلّقة بالشرق الأوسط، والإسلاميات على سبيل المثال، مردفاً أنّ هذه المواد غير متوفّرة في فرعنا (قبرص).

الإختصاصات

وعن الإختصاصات التي تقدّمها الجامعة في بافوس، هي سبعة، منها: علوم الكومبيوتر (Computer science)، وعلم الإجتماع، والـPPE (Philosophy, Politics and Economics) الذي يدمج الفلسفة والسياسة والاقتصاد، (الأخير غير موجود في بيروت)، الهندسة الصناعية وإدارة الأعمال. مقابل، حوالى 143 تخصّصاً في بيروت. أضف إلى ذلك أنّ العامل الآخر المساعد، هو أن سنوات تخصّص الإجازة في لبنان هي ثلاث سنوات، بينما في قبرص تبلغ أربعاً (عملاً بالنظام التربوي المعتمد في قبرص). ما يعني أن قسماً مهمّاً من الطلاب يفضّل التعلّم في بيروت، تشديداً على بقائنا راسخين في جذورنا التاريخية بوطننا الأزلي لبنان».

في الختام، لطالما شكّلت الجامعة الأميركية صرحاً أكاديميّاً جذّاباً لجنسيات أجنبية، بلغت قبل الحرب اللبنانية نحو 50%، لتتراجع نسبتها إلى %12 تقريباً. أمّا اليوم، ومع افتتاح فرعها الخارجي الأوّل، فسوف تشهد إقبالاً عالميّاً. إذ أشار الحاج إلى أنّه مع فتح مجال تقديم الطلبات في نيسان الفائت، ورد إلينا حوالى 600 طلب، وسنعمد إلى دراستها لتحديد مستوفي الشروط. وعن جنسياتهم، كشف أنهم من بلدان مختلفة، منهم لبنانيون معظمهم يقطنون في الدول العربية والخليجية. بعضهم من الإتحاد الأوروبي ودول أوروبا الشرقية. لدينا طلبات من الأردن وأخرى من أفريقيا وخصوصاً نيجيريا.

أمّا اللافت فهو إرسال طلبات من فييتنام تتمتّع بسيرٍ ذاتية ممتازة». إذا، تضع الجامعة الأميركية في بيروت أول مداميكها الخارجية تحقيقاً لرؤيتها واستراتيجيتها. جنسيات متعدّدة ومتنوعة ستلتقي في أيلول المقبل، مع فتح أبوابها القبرصية. ساحة تلاقٍ وحوار وتفاعل أكاديمي وحضاري وثقافي وسياسي بين طلّابها من خلال انتخابات طالبية وفق تأكيد مسؤول فرعها د. وسيم الحاج.