مايا الخوري

المصمّم نمر سعادة: تفكيري يصبّ حالياً في اتجاه العمل الإنساني

15 نيسان 2020

05 : 05

ما إن سمع مصمم الأزياء الرجالية نمر سعادة بحاجة الصليب الأحمر اللبناني لبدلات وقائية لنقل مصابي فيروس "كوفيد - 19" حتى بادر سريعًا لإقتراح خياطة تلك البدلات بالمعايير العالمية مجّانًا، إيمانًا منه بالواجب الإنساني أوّلا. عن المبادرة وأعماله الإنسانية الأخرى، وفترة العزل المنزلي، تحدث إلى "نداء الوطن":


في خلال متابعة إحدى حلقات "صار الوقت" للإعلامي مارسيل غانم، تم الإعلان عن نقص في البدلات الطبية الوقائية الخاصة بنقل مرضى فيروس "كوفيد 19" إلى المستشفيات، ما دفع بالمصمم اللبناني العالمي نمر سعادة إلى المبادرة لتأمين تلك البدلات عبر خياطتها بالمواصفات المحددة من قبل الإختصاصيين المعنيين.

فتحدّث عبر "نداء الوطن" عن المستويات الواجب توافرها في القماش حتّى تصبح البدلة مستوفية للمعايير. حيث يُخصص المستوى الأول للعنصر الطبي المكلّف التواصل المباشر مع مريض لا يعاني عوارض فيروسية معدية واضحة المعالم. فيضمن هذا المستوى عدم إلتصاق الفيروس أو الباكتيريا بالقماش أو خرقه إلى البشرة، مع أهمية أن يكون قابلا للتنفس من الداخل إلى الخارج. أما المستوى الثاني، فمخصص لنقل مريض ذي عوارض فيروسية معدية، أو مصاب بجروح. وفي هذه الحال يجب توافر مادة معيّنة في القماش تحول دون إنتقال الفيروس إلى داخل البشرة.

وفي هذا الإطار، تواصل سعادة مع إختصاصيين، لتحديد نوعيّة القماش المطلوبة، حيث خضعت العيّنات لتجارب عدّة ناجحة أكّدت مطابقتها المعايير. لتبدأ بعدها مرحلة الخياطة مع إضافة طاقيّة مغلّفة للرأس تمنع تسرّب أي مواد أو فيروسات إلى الداخل. إلى ذلك تتميّز تلك البدلات بإمكان تعقيمها وغسلها لاستخدامها مرّات عدّة وبالتالي الإستفادة أكثر منها.

وأكدّ سعادة، أنه رغم نيلهم الموافقة من قبل المعنيين، وإنطلاق مرحلة الخياطة، إلا أنهم ينتظرون تصريحاً رسمياً من وزارة الصحة يفيد بأن هذه البدلات مستوفية للشروط المطلوبة.


وعن المستفيدين من مبادرته هذه، قال:" أردنا في البداية تأمين مساعدة الصليب الأحمر اللبناني، إنما في ظلّ عدم القدرة على الاستيراد من الخارج، إضافة إلى الكلفة العالية لتأمين بدلات مماثلة، فيما الوقت داهم، قد نضطر من خلال المواد المتوافرة لدينا للتواصل مع قطاعات أخرى مثل المستشفيات والأطباء والممرضين لنرى من منهم بحاجة لبدلات طبية أيضًا والمبادرة إلى مساندتهم".

بالنسبة إلى التدابير الوقائية المتخذة في أثناء إعداد البدلات، شرح سعادة كيف استند إلى المراحل الثلاث المعتمدة أساسًا للخياطة لتقسيم فريق العمل بشكل لا يتعرّض أحد منه للخطر. "حيث يدخل المسؤول عن قصّ القماش إلى المعمل، يحضّر البدلات، ينظّف المكان ويعقّمه ليستلم بعده شخص آخر المرحلة الثانية، المخصصة لتعريب البدلات وترتيبها. وفي اليوم التالي، يأتي فريق الخيّاطين المؤلف من 3 أشخاص لتنفيذ المرحلة الثالثة، فيجلس كل منهم على بُعد أمتار، حيث يستخدمون أغراضهم الخاصة، من دون تواصل مع الآخرين. إضافة إلى ذلك، هناك الوقاية الضرورية التي يتخذها كل عامل على الصعيد الشخصي، فجميعنا نخشى على حياتنا ونأخذ التدابير لحماية أنفسنا".

وعمّا إذا كانت مبادرته شخصية أم بالتعاون مع آخرين، قال:" كمبادرة سريعة تبرّعت ماليًا للصليب الأحمر اللبناني. ومن ثم، عندما علمت بالحاجة إلى البدلات الوقائية أعلنت مبادرتي بخياطتها. إنما إنطلاقًا من تلك المبادرة، وبفضل علاقاتي المهنية والإجتماعية برجال أعمال يهمهم المساعدة أيضاً، تمكّنا من تأسيس جمعية متواضعة لتأمين مساعدات مادية وتوزيع حصص غذائية على عائلات محتاجة بالتنسيق مع بلديات ومخاتير وهذا مستمر تدريجاً. بمقدار ما تتوسّع مروحة المتطوّعين لتقديم مساعدات وخدمات أكثر، سنستمر ولن نقصّر أبداً".

وردًّا عن سؤال حول الوعي الإنساني في هذه المرحلة، لفت إلى أنها أفسحت في المجال أمام الخيّرين للعطاء أكثر، وأمام من يحبّ المساعدة لكنه إحتاج إلى الوقت، إلى تحيّن الفرصة الراهنة لتحقيق ذلك. وأمام من يظنّ أن الحياة لا تستحقّ المساعدة، ليفهم أن ثمة محتاجين في الحياة، يجب المبادرة لمساعدتهم. وفي النهاية، من لم تعن له المبادرة الإنسانية شيئاً، إكتشف أنه إذا كان الآخر بخير، فهو بخير أيضاً. وأضاف:" برأيي تحقق وعي مهم عند الناس، وهو أن مساعدة الآخر والإنسانية في الحياة أهم عنصرين، لأنه مهما علا شأن الإنسان، ستكون مواجهة الموت واحدة، لذا إن لم يقف إلى جانب الآخر، لن يجد من يقف إلى جانبه".



وعن مصير دار أزيائه والمهنة في ظل الواقع المستجدّ، قال:" أحد لا يعلم كيف ستستمر الحياة بعد إنتهاء مرحلة فيروس كوفيد 19. شخصيًا، لم يعد يهمنّي كيفية بيع تصاميمي، بمقدار كيف سأبدع مجدداً، أي إلهام ووحي بعد هذه المرحلة، كيفية متابعتي الموضة ومن أي زاوية، خصوصاً أن اهتمام الناس الأوّل حُوُر الى إتجاه آخر".

وأضاف:" يصبّ تفكيري حاليًا في اتجاه العمل الإنساني والعمل الذي أستعيد من خلاله ذاتي كشخص، إنها مرحلة أفكّر فيها بما أستطيع تقديمه في هذا الظرف. لا أريد حرق المراحل، فلتكن لكل مرحلة تفكيرها ومخططاتها الخاصة لنرى كيف ستسير الحياة".

وردًّا عن سؤال عما إذا كان متشائماً من المستقبل، قال:"أنا متفائل تجاه هذه الحياة، وتجاه عودتها إلى مجراها الطبيعي، وأن الشعب الذي تعرّض لهذه القساوة سيخرج أقوى ليعبّر عن نفسه. الإنسان الناجح بطبيعته فهم أن الحياة ليست سهلة، ويحتاج دائمًا أن يكون محاطاً بالأبحاث والقوّة والخبرة والعلم. برأيي ستكون الوقفة حالياً إنسانية بالدرجة الأولى، لنكون بعدها جاهزين لتلبية طلبيات زبائننا. الكون بحد ذاته خلاّق، هو الذي أنتج كل شيء، وسيكمل مساره".


وعن فترة العزل المنزلي، وجد سعادة وقتاً إضافياً لقضائه مع العائلة، فهو يهتمّ شخصياً بدراسة أولاده، يمارس الرياضة معهم، ويلعبون معاً. وقال: "صحيح أننا نشعر بسجن كبير، إنما يجب قضاء أيّام جميلة مع العائلة. عدت إلى الهوايات التي لم أكن أجد وقتاً لممارستها كالقراءة مثلاً التي أحبها كثيراً".

وتوّجه إلى غير الملتزمين بالحجر المنزلي بالقول: "كل منّا يدفع ثمن أفعاله الشخصية. صحيح أن هؤلاء يؤذون أنفسهم أوّلاً، لكنهم لا يفهمون أنهم يؤذون غيرهم أيضاً ويعرّضون الآخرين للخطر".

وعمّا إذا كان يتوّقع تغيّر عادات اللقاءات الإجتماعية فور الإنتهاء من هذا الوباء وإيجاد اللقاح، قال:" برأيي أصبح هناك وعي عند الجميع لأخذ الإحتياطات اللازمة لمنع الخطر، إنما هذه ليست المرة الأولى التي يتعرّض العالم لفيروس خطير معدٍ، إنما إتحاده نجح في المواجهة. لذا أرى أن الإنسان سيعود إلى حياته الطبيعية بغض النظر عن كل شيء".

وختاماً، كشف أنه إضافة إلى خياطة البدلات، يخطط للكمّامات، في انتظار الموافقة على العيّنات المقترحة. متمنياً على كل إنسان يجد نفسه قادراً على المساعدة المادية أو تقديم مساعدة شخصية، أو المبادرة من ضمن نطاق ما يقوم به، أن ينضمّ إليهم لأن" كل ما نقوم به هو مبادرة إنسانية صرفة، من دون أي مقابل".


MISS 3