رفيق خوري

لعنة "كورونا" وحرب لبنان المستمرة

15 نيسان 2020

10 : 00

كل شيء ضاق بفعل فيروس غير مرئي جعل العالم مسخاً. الكون في حجم بيت. البيت في حجم كرسي. الكرسي في حجم هاتف صغير تحمله يد صارت مخيفة لصاحبها كآلة لالتقاط الفيروس. وحدها الهواجس والأفكار تتسع في فضاء الخيال والسؤال عن المستقبل في زمن كورونا. ناس تخشى من ألا يكون هناك شيء اسمه المستقبل. ناس ينطبق على تصورها ما كان يقوله الرئيس شارل حلو: "لا اعرف ما يحدث غداً، لكني اعرف ما سيحدث بعد غد". وناس ترى ان ما يحدث غداً معروف، لانه استمرار لما يحدث اليوم وما حدث امس. وأمس مرت الذكرى الخامسة والاربعون لحرب لبنان التي بدأت رسمياً يوم 13 نيسان العام 1975 وتوقفت رسمياً العام 1990، لكنها لم تنتهِ. هي حرب تداخلت فيها الوجوه والأبعاد والقوى المحلية والاقليمية والدولية، وتوقفت عندما لم تعد معاركها مفيدة لمصالح القوى الأساسية، وصار الطريق مفتوحاً الى اتفاق الطائف. وهي مستمرة بوسائل واشكال متعددة في خدمة قوى ومصالح جديدة او مستجدة. أليست السياسات التي قادتنا الى هاوية أزمات نقدية ومالية واقتصادية واجتماعية هي من وسائل الحرب؟ أليس من اشكال الحرب إصرار النافذين على تصوير أزمتنا الوطنية بانها الامر الطبيعي، وأزمتنا السياسية بانها من طبائع الديموقراطية؟

كان جورج اوريول يقول: "من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي". والذين يحكموننا ويتحكمون بنا اليوم هم رجال الماضي ونجوم الحرب، وبالتالي المرشحون للسيطرة على المستقبل. وما ينطبق على حال لبنان اليوم هو ما سماه انطوني كوردسمان "التضليل" عبر "ارسال ثور الى مخزن التحف الصينية ثم لوم المخزن على الخراب". فالوطن الصغير كان في دقة تركيبه ونوع حياته يشبه مخزناً للتحف الصينية. والكل يلومه على ما فعله الثيران ويجبره على دفع الثمن.

ولا نهاية للثمن. في عمق هاوية الأزمات لا يزال ما هو أعمق. ديموقراطيتنا صارت مهزلة. مئوية لبنان الكبير دخلت في "الحجر السياسي". وعلى مشارف الانهيار هناك من يراهن على اكتمال الانهيار كي يرث لبنان، ومن يحلم بثورة تعيد بناء كل شيء. ولا محاولة جدية بعد 45 عاماً من بداية الحرب لتجميع الوثائق من مصادرها وكشف ما جرى في كواليس الحرب، من اجل ما دعانا اليه جاك بيرك وهو "النظر الى الحقيقة من كل الزوايا".

لكن الحقيقة هي "العدو" للتركيبة السياسية.


MISS 3