ألا يتوجب التمييز بين البلد والوطن لصالح الأول؟
فالبلد مسمّى جغرافي، سكاني، حياتي، له حدود لكنه لا يرتقي إلى: الوطن، الذي يتعاطف مع : الكيان والأمة احياناً.
هكذا يبقى الكلام عن: الدولة، أو عن السلطة، أو الحكومة حصراً، كلاماً سياسياً للاستهلاك، لعدم الجدوى في الغالب، فيما يشتكي سكان هذه الدولة، الناخبون في مستويات انتخابها وتشكيل هيئاتها الدستورية، مما يصيبهم فيها، لا في البلد، ولا في الوطن أو الأمة.
كثير من الجدل السياسي (والدستوري وغيره) يدور، منذ العهد الاستعماري، في نطاق تشكيل الوطن، فيما بقي المستوى الدنيوي (إذا جاز القول)، لا العلوي (إذا جاز القول)، من العيش السياسي قليل الجاذبية والانشغال.
نجد منظرين وفلاسفة ومنشئي كيانات وأمم، فيما لا نجد سوى القليل من بناة الدول.
نجد أنبياء ومبشرين ودعاة لرسم «رسالات خالدة» وأمم «نابغة» وعبقرية، فيما لا نجد سوى قلة يفكرون في حُسن صرف الأمور الدنيوية وتدبرها.
مع ذلك، فشلتْ مشاريع قيام الأوطان والأمم، وبقيت البلاد. أي بقيت أبسط التعريفات التي لا محيد عنها.
بقي ما رسمَه كِتاب التنشئة السياسية الاستعماري ثابتاً، إلا في السودان الذي انشطر في داخله (على ما شهدنا ونشهد).
لا توجد دولة عربية من دون مشاكل في حدودها.
ولهذا يصعب علينا تبين الشعور «الوطني» من الانشداد «المذهبي» في هذا البلد أو ذاك...
ماذا يعني هذا؟
هذا يعني أننا نعيش في بلاد، أقل ما يقال فيها أنها دون الوطن بكثير، وأننا لم نُحسن بناء الدولة فيها بصورة مؤكدة، بدليل الفشل المتراكم...
ألا يُستحسن بنا الكف عن تقليب المشروعات ورسمِ الخرائط، والتوقف عن تخيل الأحلام الخرقاء عن «الجنة الأرضية الموعودة»، وعن «الوطن الأثيل»، و»الأمة الخالدة»؟ ألا يجدر بنا العمل والتفكير لبناء دول مرتضاة من سكانها في الحدود القائمة؟
ألا يكون هذا التواضع السياسي جديراً بالذكاء السياسي، وبإرادات العيش والبناء، بدل الانقلاب وإرجاءِ ما لا يتوحب انتظاره؟