شربل داغر

"صاحب الدولة"

22 تموز 2019

13 : 30

يُروى عن احد السياسيين اللبنانيين انه يصل الاخير الى اي احتفال رسمي، بحجة انه الاول بينهم، والمتقدم عليهم بحكم كون لقبه العثماني هو الاقدم: يريد منهم ان "يقفوا" كلهم، واحداً واحداً، لإلقاء التحية عليه.

هذا التمسك أكيد، بل تزداد المشاحنات حوله، ما دامت السياسة لا تنفك عن منح السياسي لقباً مزيداً على رئاسته، او وزارته، او نيابته وغيرها. التمثيل السياسي لا يكفي في حد ذاته، وانما يحتاج الى سحر الماضي، الى عبق التاريخ، والى التيجان الرمزية.


لا يضير السياسي ان يكون "صاحب الدولة"، اي ان تكون له معها صلة حميمة الى حدود الصحبة. كيف لا، وهو اعتادها، حتى لا اقول ورثَها...! من كان جدُه "شيخَ صلح" يصبح شيخاً اصيلاً. من لم يكن والده شيخاً، بل متمولاً كبيراً، يتحول الى شيخ حكماً، كما لو ان والده اشترى له اللقب...

يتباهون بألقابهم، حتى ان غيرهم بات لا يكتفي باسمه، بل يحتاج إلى لقب: الحاج...فيما هم، امام القانون، مواطنون ليس إلا، سواسية مع من يمثلون. من دون القاب بتاتاً.


المهم هو ان "صاحب الدولة" أليف، او يطلب الالفة مع الدولة الى درجة من التفاني ونكران الذات: لا يدع الدولة تنفصل عنه اذا طلب النوم، وتصمت الدولة اذا خلد الى الصمت، ويصبح لسانَها المفوه إن طلبتْ الكلام.

الطريف والمضحك هو ان الالقاب العثمانية سقطت منذ سقوط السلطنة، غير انها لا تزال فاعلة في بلادنا. ذلك انهم لا يزالون مقتنعين بانهم لم يبلغوا حقاً مرحلة بناء الدولة، بل هم "مقاطعجيون" ليس إلا: يفوزون بالمنصب بشيء من القوة ومن المال لقاء ان يكونوا ممثلي الوالي، وجامعي الضرائب باسمه.

خاضعون للوالي (لأكثر من والٍ في ايامنا هذه)، لكنهم جبابرة يتحكمون برقاب من يتسيدون عليهم، فيما يتصارعون في ما بينهم في نزاع مفتوح، فلا يطبقون الدستور، ولا القوانين، وإنما يجدون لها "مخارج": كان يكفيهم تطبيق القانون، في حادثة الجبل الاخيرة، على سبيل المثال...

ينتفعون من المنصب، ويحاولون إدامة بقائهم فيه، من دون ان يشعروا ابداً بأن لتمثيلهم السياسي علاقة بأي سيادة، بأي وطن. هم يعرفون تماماً انهم يحكمون باسم "الوالي"، ويستفيدون من جمع الضرائب، ومن عائدات المكانة، ومما يغدقه عليهم الوالي من ألقاب: كانوا يشترونها في ما مضى، واليوم باتوا يتدبرون لقباً بالياً او بسيطاً، فيرفعونه فوق رؤوسهم المضحكة والفاجرة علامة عليهم، ويجعلون اللقب يتقدمهم اينما حلوا.