طارق عينترازي

عام دراسي جديد... شكراً كورونا!!

21 نيسان 2020

04 : 55

ينقل عن فلاديمير لينين قوله "هنالك عقود لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع تحدث فيها عقود".

إن أسابيع إقفال المدارس بسبب الكورونا تمثل فرصة ذهبية للحكومة التي لا تتوقف عن العمل - كما قيل - لمراجعة قوانين وأعراف مرّ عليها الزمن. وقد تكون هذه فرصة للوزراء المحترمين الذين لا ينتمون إلى مدرسة العهد القوي للمستشارين والأزلام لصنع تغييرات إيجابية سيسجلها التاريخ لهم.من المعروف أن السنة الدراسية بشكلها الحالي وإجازة الصيف هي مبنية لتتناغم مع مواسم الزراعة. لذلك تتزامن الإجازة الصيفية مع موسم الحصاد كي يتمكن طلاب المدارس من العمل في الزراعة وحصاد المحاصيل خلال فصل الصيف. هكذا بدأت السنة الدراسية بشكلها الحالي، وهكذا أبقينا عليها لعقود طويلة.

سنحاول في هذه العجالة تعداد فوائد إعادة النظر في توقيت السنة الدراسية لتتزامن شهور التعليم مع فصول الربيع والصيف والخريف.

أولاً: إن اعتماد عام دراسي صيفي وإقفال المدارس خلال فصل الشتاء سيوفر على المدارس الخاصة والحكومية تكلفة تدفئة الصفوف خلال أيام البرد القارس، وبالتالي خفض كلفة المازوت وتقليل تلوث الهواء الناتج عن أجهزة التدفئة.

ثانياً: تقليل فرصة الإصابة بالرشح والنزلات الصدرية مع ابتعاد الصغار عن المدارس خلال موسم تفشي الفيروسات الناقلة للرشح والانفلونزا. تخيلوا الوفر الاقتصادي المحقق مع انخفاض الكلفة الصحية وكلفة الدواء وانخفاض أيام تعطيل الأهالي عن العمل بسبب انتقال العدوى إليهم من الصغار.

ثالثاً: تخليص صغارنا وأساتذتنا من عذابات الاستيقاظ في صباحات الشتاء الباردة والمظلمة والجلوس بلا حركة في غرف باردة ورطبة في الكثير من المدارس. من قال إن حب التعلم يجب أن يترافق مع البرد القارس في المدرسة وصنوف العذاب والشنشطة على الطرقات؟ من منا لا ينسى صعوبة مغادرة الفراش الدافئ أيام الشتاء قبل شروق الشمس؟

رابعاً: تزامن فترة تعطيل المدارس مع فصل الشتاء يؤدي إلى دعم السياحة الشتوية ومراكز التزلج في كسروان والأرز بدل عن أن ينحصر صعود الطلاب والأهالي بعطلة نهاية الأسبوع بينما تعاني الفنادق والمنتجعات من انعدام الزوار والمتزلجين خلال أيام الأسبوع. كما أن المطاعم ومراكز التسوق في العاصمة والمناطق سينتعش عملها خلال فصل الشتاء بالتزامن مع العطلة المدرسية، وبالتالي ستتمكن من التعامل بشكل أفضل مع ازدياد عدد السياح في فصل الصيف، وتتفادى الانخفاض الكبير في المبيعات خلال فصل الشتاء.

خامساً: انخفاض الزحمة المرورية خلال أيام الشتاء حين تتألق بنيتنا التحتية بأبهى صورها مع كل شتوة. وهنا نتسائل لماذا يجب ان تبتدئ كل المدارس في الوقت نفسه صباحاً؟ ماذا يمنع ان تبتدئ بعضها الساعة العاشرة والبعض الآخر الساعة التاسعة بحيث لا تختنق الشوارع عند وقت الذروة صباحاً ومساءً؟ مع العلم أن هذا النظام متبع في الكثير من دول العالم. مثلاً كندا وفرنسا توزّعان الإجازة الشتوية على أسابيع مختلفة لتخفيف الضغط على النقل العام ومراكز التزلج، كما أن هناك فرقاً في توقيت بدء الصفوف بين المدارس الابتدائية والثانوية.

سادساً: في زمن الحديث عن فضائح المباني المستأجرة من وزارة التربية وغيرها من الوزارات، فإن نهارات الصيف الطويلة ستُمكّن وزارة التربية من استغلال بعض المباني المدرسية لدوامين في اليوم الواحد بحيث يصل قسم من التلاميذ في الصباح والقسم الآخر بعد الظهر حتى الساعة السادسة أو السابعة مساءً. هنا أيضاً، تخيلوا الوفر الممكن تحقيقه في كلفة صيانة وإيجارات المباني المدرسية في بيروت والمناطق.

سابعاً: يجب البدء باعتماد نظام هجين يدمج بين التعليم الرقمي عن بعد والتعليم عن قرب. بإمكان المدارس تخصيص يومين للتعليم عن بعد ابتداءً من السنة القادمة بحيث يتمكّن الطلاب والأساتذة من الاستفادة من مرونة التعليم الرقمي مع الحفاظ على ثلاثة أيام من التواصل المباشر ولإجراء الامتحانات. تجدر الاشارة إلى أن المدارس الخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة بدأت باستفتاء الاهالي حول رأيهم في اعتماد نظام التعليم عن بعد حتى بعد انتهاء أزمة كورونا. اعتماد يومين من التعليم عن بعد اسبوعياً يعني انخفاض كلفة النقل على الأهالي والأساتذة أربعين بالمئة كل اسبوع بالإضافة إلى تقليل زحمة السير والتلوث وحرق الأعصاب اليومي للطلاب وأهاليهم. الوفر المحقق بكلفة المواصلات وانخفاض أقساط المدارس سيغطي ازدياد كلفة داتا الانترنت ويمكّن العائلات من شراء أجهزة كمبيوتر جديدة.

ما تقدم مجموعة أفكار بسيطة ستحقق وفراً بمئات ملايين الدولارات على الأهالي سنوياً عبر خفض الفاتورة الصحية وتقليل استهلاك الوقود بالإضافة إلى خلق فرص عمل للمؤسسات السياحية خلال فصل الشتاء.

في المحصلة، هناك فرص لتغيير إيجابي وطويل الأمد في قطاعات بعيدة عن مراكز الفساد في دولتنا العميقة وبعيدة عن اهتمامات من يديرون البلد بعقلية أن جميع الحلول تبتدئ من ترسانة المئة وخمسين ألف صاروخ. فلتكن هذه الحكومة سباقة إلى تحديث التعليم الذي هو أملنا الوحيد لقيامة لبنان ولعزة مستقبله وكرامة شبابه.


MISS 3