لين أودونيل

"طالبان" أصبحت تاجرة أسلحة

28 تموز 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

أسلحة معروضة أمام ممثلي وسائل الإعلام في مقاطعة كونار | أفغانستان، 25 أيلول 2022

انسحب الجيش الأميركي من أفغانستان منذ سنتين، وترك وراءه أسلحة بدأت تظهر الآن في مناطق مضطربة وبعيدة حيث يقاتل الإرهابيون حلفاء الولايات المتحدة ويقتلونهم. في الأسواق التي انتشرت في أنحاء الأراضي الجنوبية والشرقية الوعرة، حيث تدور أكثر معارك الحرب احتداماً، يحمل التجار تراخيص من «طالبان» ويعرضون البنادق الهجومية الآلية والمسدّسات الأميركية الصنع للبيع، إلى جانب معدّات أخرى من روسيا، وباكستان، والصين، وتركيا، والنمسا. بدأت الأعمال تزدهر هناك بقدر النشاطات الإرهابية.



تحت أقمشة خرّبها الطقس المتبدّل وتتدلّى من أعمدة خشبية، أو داخل ممرّات معزولة في عمق الصحراء، أو فوق سجاد مغبر على طول مسارات وعرة قبالة الطرقات السريعة الرئيسية، تعرض أسواق الأسلحة المتخصّصة مجموعات من الصواريخ والقنابل، وقاذفات القنابل المحمولة على الكتف، ونظّارات الرؤية الليلية، وبنادق القنص، والذخائر. تتحدّد أسعار هذه المعدّات بالأفغاني والروبية والدولار. تعكس الزيادات الأخيرة في الأسعار ذكاء واحد من أغنى الكارتيلات الإجرامية في العالم، إذ تسعى هذه الجماعة إلى إبقاء تلك الإمدادات تحت سيطرتها.

قد تضاف قيمة أخرى إلى أسعار البنادق الهجومية الأميركية المتروكة في البلد: قد يصل سعر بندقية «إم-4» مثلاً إلى 2400$ إذا كانت بحالة جيدة، وترمز هذه الكلفة إلى مكانتها التي تساوي الحزام القبلي في الهيمالايا أو حقيبة يد فاخرة في مانهاتن. في المقابل، قد يقتصر سعر بندقية «إي كي-47» الباكستانية، وهي آلة القتل الأكثر انتشاراً في العالم، على 130$.

لقد بدأ سباق تسلّح جديد، وهو يُهدد الأمن العالمي. تُعتبر حركة «طالبان» (لا ينتمي حلفاؤها عموماً إلى تنظيم «القاعدة») محور شبكة عالمية للتهريب، وهي تكسب مليارات الدولارات من الهيروين والميثامفيتامين. اليوم، يبدو أنها بدأت تنقل أسلحة صغيرة إلى متطرفين يحملون العقلية نفسها ويستوحون أفكارهم من انتصار «طالبان»، لا سيما في المنطقة المجاورة. يستعمل عناصر حركة «طالبان باكستان»، في المناطق القبلية الممزقة في شمال غرب باكستان، والانفصاليون في منطقة «بلوشستان» المضطربة، أسلحة أميركية الصنع لقتل رجال الشرطة والجنود في خضم حرب محتدمة ضد الدولة الباكستانية.

تعرض فيديوات «حركة طالبان باكستان» الدراماتيكية اعتداءات ظاهرية ضد مراكز الشرطة والجيش في باكستان على يد مقاتلين يحملون أسلحة أميركية ويستعملون معدات الرؤية الليلية ومناظير الرؤية الحرارية، وقد ذكر «مرصد السلام الأفغاني» في تقرير جديد أنها معدّات مطلوبة جداً توفرها القوات الأفغانية الخاصة. يذكر التقرير أيضاً أن معدات الرؤية الليلية تُباع بسعر يتراوح بين 500 و1000$، وفق مقاتل تابع لحركة «طالبان» في مقاطعة «ننجرهار»، على حدود باكستان.

تعليقاً على الموضوع، يقول افتخار الفردوس، محرّر في منظمة «يوميات خراسان» المستقلة في باكستان تُعنى بمراقبة الجماعات غير النظامية: «لم يُصعّب تكاثر هذه الأسلحة محاربة شبكات الإرهاب إقليمياً فحسب، بل إن معدات الرؤية الليلية تحديداً باتت تُستعمل لاستهداف عناصر الأمن ورجال الشرطة الباكستانيين بشكلٍ يومي».

تفيد التقارير بأن الأسلحة الهجومية الأميركية استُعمِلت في الاعتداءات الأخيرة التي أطلقتها جماعات غير نظامية في كشمير التي تشهد انقساماً مريراً بين الهند وباكستان، وفي قطاع غزة في إسرائيل. في هذا السياق، يقول ياسين ضياء، جنرال سابق في الجيش الأفغاني وزعيم «جبهة تحرير أفغانستان» المعارِضة راهناً: «تصل تلك الأسلحة على الأرجح إلى ناشطين من حركة «طالبان باكستان» انتقلوا إلى شمال أفغانستان، تماشياً مع بنود صفقة بين طالبان وباكستان. لن يلقى هؤلاء أي ترحيب وهم يحتاجون إلى الدفاع عن أنفسهم ضد السكان المحليين العدائيين».

بالنسبة إلى «طالبان» التي جَنَت أموالاً طائلة من عمليات تجارية غير شرعية أخرى، تُعتبر صفقات الأسلحة مصدراً آخر للمداخيل. يقول أسفنديار مير، خبير في شؤون جنوب آسيا في المعهد الأميركي للسلام، إن «طالبان» تتحكّم على الأرجح بالسوق السوداء الجديدة وتفرض الضرائب عليها. وفيما تسعى «طالبان» (وجماعات إرهابية متحالفة معها) إلى تجنيد عناصر جدد، لا شيء أفضل من المعدّات الفتّاكة والفاخرة لتحقيق أهدافها.

تدفّقت كميات كبيرة من بنادق «إي كي -47» الشائعة إلى المجاهدين الأفغان خلال الحرب ضد السوفيات بين العامين 1979 و1989. تُعتبر هذه البنادق فتّاكة وسهلة الاستعمال والصيانة وجرى تصنيعها على نطاق أوسع من أي أسلحة أخرى في التاريخ، لذا أصبحت رمزاً للمتمرّدين في كل مكان. لكنها تبقى جزءاً من الأسلحة الخفيفة، لذا يفضّل الإرهابيون عموماً مقايضتها بأسلحة أخرى. يقول افتخار الفردوس إن الحملة الدعائية الخاصة بتنظيم «الدولة الإسلامية» و»حركة طالبان باكستان» تكشف نزعة عناصر هذه الجماعات إلى استبدال بنادق الكلاشنكوف تدريجياً بأسلحة حلف الناتو.

بفضل السخاء الأميركي وشبكات التهريب التابعة لـ»طالبان»، تصل تلك الأسلحة إلى كل مكان. يقول الخبراء إن تلك الممرات تنقل المخدّرات، والجواهر الكريمة، وأنواعاً أخرى من الأسلحة المهرّبة، إلى الإرهابيين الإسلاميين مثل عناصر حركة «الشباب» في أفريقيا جنوب الصحراء، وفروع «الدولة الإسلامية» في الفلبين، وتايلاند، وماليزيا، وسريلانكا. باستثناء أفغانستان، حيث انتهت حركة التمرّد بتحقيق الانتصار في آب 2021، بدأ عدد ضحايا الاعتداءات الإرهابية يتصاعد، وفق مؤشر الإرهاب العالمي. تتابع «طالبان»، التي موّلت حربها عبر المخدّرات وعمليات تهريب أخرى، حصد أرباح الموت.

كان السخاء الأميركي الكامن وراء ازدهار «طالبان» استثنائياً. تشير تقديرات وزارة الدفاع الأميركية إلى بلوغ قيمة مخزونات الأسلحة والمركبات المتروكة في البلد حوالى 7.12 مليارات دولار من أصل مبلغ 18.6 ملياراً تم إنفاقه بدءاً من العام 2002 على تسليح قوات الأمن الأفغانية. يذكر تقرير المفتش العام الأميركي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان: «شملت تلك المعدات حوالى 600 ألف سلاح من جميع العيارات، و300 طائرة ذات أجنحة ثابتة أو دوّارة، وأكثر من 80 ألف مركبة من جميع الأنواع، ومعدات اتّصالات، ومواد متقدمة أخرى مثل نظارات الرؤية الليلية والأنظمة البيومترية». بعد انسحاب الجيش في صيف العام 2021، ذكر التقرير كلام مسؤول من «طالبان» حين قال: «حصلت الجماعة على أكثر من 300 ألف سلاح خفيف، و26 ألف سلاح ثقيل، وحوالى 61 ألف مركبة عسكرية». أضيفت هذه المعدّات إلى ما تملكه الحركة أصلاً.

كان يسهل توقّع معظم هذه التطوّرات. استعملت «طالبان» المعدّات الأميركية طوال سنوات قبل انهيار الجمهورية، وباعتها قوات أفغانية فاسدة أو فقيرة أو عديمة الأخلاق. لم يعرف البنتاغون يوماً حقيقة ما حصل هناك.

تعليقاً على الموضوع، تقول جوستين فليشنر، خبيرة في الحرب والأسلحة ورئيسة قسم الأبحاث في «مرصد السلام الأفغاني»: «ما حصل في أفغانستان هو أكبر خطة إلهاء في التاريخ المعاصر، نظراً إلى كمية الأسلحة والذخائر التي تلقّتها طالبان. في هذا النظام، هم يعرفون طبعاً المعدات التي دخلت إلى أفغانستان، لكن ما من سجلات عن تلك التي تم استعمالها أو تحطّمت أو فُقِدت، أو تلك التي تحتاج إلى تصليح، أو الأسلحة الناشطة أو المعطّلة. كان الإلهاء سيّد الموقف طوال فترة الالتزام الأميركي في أفغانستان».

تكشف أبحاث «مرصد السلام الأفغاني» و»استطلاع الأسلحة الصغيرة» أن أسواق الأسلحة بدأت تتكاثر في جنوب وشرق أفغانستان وفي باكستان المجاورة، فراحت تجلب الأسلحة ومعدات أخرى من ساحات المعارك الأفغانية. توفّر المصانع السرية كميات هائلة من الأسلحة المزيفة، مثل بنادق «إي كي-47». عادت ورش العمل التي تموّلها الولايات المتحدة إلى الساحة أيضاً، وهي توفر أسلحة صغيرة وخفيفة. يقول حبيب خان توتخل، مؤسّس «مرصد السلام الأفغاني»، إن خبراء تدرّبوا على يد الولايات المتحدة بدأوا يتلقون دعوات للعمل لصالح نظام «طالبان» مجدداً. تعثرت الجهود الرامية إلى نزع أسلحة المدنيين أو تسريح مناصري «طالبان»، إذ يصعب تعقبهم في هذه الظروف ويعتبر عدد كبير من المقاتلين السابقين أسلحتهم مُلكاً لهم، لا مُلك الدولة.

في النهاية، يقول الفردوس: «منعت طالبان تصدير الأسلحة المحظورة ظاهرياً، بقدر ما استهدفت إنتاج الأفيون. أدّت هذه الحملة إلى تشديد التدابير المفروضة على الإمدادات ورفع أسعارها، لكن توقفت جهودها عند هذا الحد. تكثر الأدلة التي تشير إلى استمرار تدفّق هذه الأسلحة من أفغانستان، ما يُصعّب على الدول القومية محاربة الأطراف غير النظامية».


MISS 3